الجمعة، 19 سبتمبر 2014

ولاّدة بنت المستكفي.د/سامية جباري

 هي " ولاّدة بنت المستكفي باللّه محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الناصر
لدين اللّه "(1) ، وهي من البيت الأموي بالغرب الإسلامي ، "وابنة الخليفة محمد بن عبد الرحمن الناصر
الملّقب بالمستكفي ، ولقد تولى الخلافة سنة 414 ﻫ "(2) ، ويذكر أنّها كانت أميرة " حسناء فاتنة ساحرة ،
جذابة ، مرحة،خفيفة الظلّ ، حلوة الروح ناقدة وشاعرة ، حصيفة ذكية ، بصيرة بالأساليب الشعرية ، متمكنة من الأسرار الفريدة"(3) .
      إضافة إلى ذلك قيل أنها " حسنة المحاضرة مشكورة المذاكرة ، وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف ، كما كانت تناظر الشعراء وتساجل الأدباء وتفوق البلغاء ، وقيل عنها أنّها لم تتزوج قط وماتت سنة 484ﻫ "(4) .
 يتفق ابن عذارى مع ابن بسام في وصف المستكفي خلقيا ، ويضيف في وصفه الخارجي فيقول " .. أشقر أزرق أشم مدوّر الوجه و اللحية ، ضخم الوجه والجسم ، كبير البطن وصاحب أكل وشرب وجماع وتخلف "(5) .
   وقد خرجت إبنته ولاّدة على نهاية في الأدب و الظرف ، و حسن منظر و مخبر ، وحلاوة مورد ومصدر حتى قيل أنّ " مجلسها بقرطبة لأحرار المصر وفناؤه ملعبا لجياد النظم والنثر(6) .
و كانت ولادة قد أخذت قسطا وافرا من التعليم قبل وفاة أبيها ، حيث أحضر لها العلماء و المثقفين ودأب على تربيتها ، إلا أنّه قيل عنها "ورثت عنه وعن امّها الشريرة ميلها إلى المرح و التحرر من قيود المجتمع والجرأة على الفساد"(7) .
   ويقول ابن بشكوال في كتابه الصلّة " كانت أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر، وكانت تناظر 
الشعراء وتساجل الأدباء ، وعمّرت طويلا ولم تتزوج قط "(1) ، ولولادة مكانة عالية بين شعراء الأندلس وشاعراتها ، وهي ذات شخصية فذّة جمعت بين عراقة النسب الأموي والذّكاء العربي المفرط ، والجمال الساحر وسعة في الإطلاع ، وحلاوة في البيان وكلّ هذّا في " جو القصور البهيجة وبين الجواري و الحواشي "(2) ، فتحت أبواب قصرها للأدباء و الشعراء ورجال الفكر، فكان صالونا أدبيا يتهافت عليه الشعراء والكتّاب ، وهكذا كان منتدى ولاّدة تجمع فيه الجمال و الأدب و الذوق ، وأنيق الشعر و رفيع الغناء وحسن المعشر ورواء الحديث وحلاوة الرد وحرارة النكتة وقد عدّها الشعراء من كبيرات ربّات المجالس الأدبية"(3) .
   ويقول ابن سعيد : "إنّها بالغرب كعلية ( أخت الرشيد ) في الشرق ، إلاّ أنّ هذه أي ولادة تزيد بمزية الحسن الفائق ، وأمّا الأدب والشعر والنّادرة وخفة الروح ، فلم تكن تقصر عنها ، وكان لها صنعة في الغناء وكان مجلسها يغشاه شعراء قرطبة "(4) ، وهذا ما يؤكد قدرتها على الشعر و احتلالها المكانة المرموقة بين شعراء عصرها ويذكر أنّ " ولاّدة وجدت في جوها الحافل متنفسا ينسيها الفواجع التي تجرّعتها و الأرزاء التي أذاقتها الأمرين ، وحاولت أن تتغافل عن كلّ ذلك بما تقوم به من مقابلات في قصرها لرواد الثقافة و ما تقتضيه معهم من الساعات الطوال في المطارحات الأدبية "(5) .
    ومهما يكن من أمر فقد استطاعت شاعرتنا أن تفتن شعراء عصرها بجمالها وسحرها و ذكائها وحلاوة عشرتها، فاجتمع في ندوتها من معاصريها شعراء وادباء، ووزراء من الرجال و النساء وكانت تستقبل الجميع ببشاشة ولطف ، فيعجب بها الرواد ويتمنى كلّ واحد منهم أن تكون له وحده ، وقد أشارت إلى ذلك حين قالت :
"إنّي وإن نظر الأنام لبهجتي                             كظباء مكة صيدهن حرام.

يحسبن من لين الكلام فواحشا                             ويصدّهنّ عن الخنا الإسلام "(1) .
ردّ عليها أحد روادها بقول بشار :
لا يؤنسك من مخدرة              قول تغلّطه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرة             و الصعب يركب بعدما جمحا "(2) .
والملاحظ أنّ هناك تناقض واضح عند ابن بسام حين يقول " أنّها كانت تتمتع بطهارة أثواب"(3) ، ثمّ إنّ تحرر ولاّدة واقع قد أكّده " أبو عبد الله بن مكي شيخ ابن بشكوال "(4)فيما بعد حين قال : " لم يكن لها تصاون يطابق شرفها"(5) ، وهو حكم أخلاقي يرجع إلى التقييم المتناقل بين الناس ، ووصفوها بعدم تخلقها ، كما ينبغي أن تتحلى به فتاة مثلها في ثقافتها ووعيها ، ولا تعرف حدودا تقف عندها لحريتها الشخصية ، ولو كانت تتوفر على نصيب من العفاف ، لما تجرأ صاحبها ابن زيدون على قول كلّ ما جرى له معها في ليلة عذبة في قطعة نثرية أثبتها ابن بسام الذي وصفها بطهارة الأثواب ، ونص القطعة
يبتدئ من قوله : " كنت في ايام الشباب وغمرة النصاب هائما بغادة تدعى ولاّدة "(6) ، إلى أن يقول في إباحية سافرة " وبتنا بليلة نجني أقحوان الثغور ونقطف رمان الصدور " (7).
وقد روى كثيرون من مؤرخي عصرها أنها كتبت بالذهب على عاتقها الأيمن والأيسر مايلي :
"أنا و الله اصلح للمعالي                         وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكن عاشقي من صحن خدي                  وأعطي قبلتي من يشتهيها(8) .
فبالرغم من هذه الإباحية اللامتناهية إلا أننا نجد بعض المؤرخين يصفونها بالعفاف ، ففي تمام المتون يقول
 الصفدي عن ولاّدة " وكانت مشهورة بالصيانة و العفاف " (1) ، وأيضا المقري في نفحه علّق بنفس قول الصفدي عن ولاّدة أنّها " مشهورة بالصيانة و العفاف "(2)، وليس بهذا الأمر غير ما قاله عنها ابن سعيد عندما يقرر بعلاقتها في قوله : " فعلقت بها مهجة ولزمت تأديبها، و أنشدها مايلي :
ولاّدة قد صرت ولاّدة                         من دون بعل فضج الكاتم
حكت لنا مريم لكنه                           نخلة هذي ذكر قائم"(3) .
 كما لدينا آراء أخرى بشأن ولاّدة والذي بها تبين لنا أنها كانت مشهورة جدا ، حتى أنّ المستشرق الفرنسي هنري بيرس قال يها : " إنّ العلاقة التي كانت تربط ولادة بمهجة والتي ليس فيها شك تلك العلاقة تبين بأنها كانت تسخر من التقاليد "(4) .
     ما نستطيع قوله هو أنّ في شعر ولاّدة هناك ما ترضاه الأذن و القلب ويتلذذه ، فهي تعطينا صورة رائعة وواضحة عن حرية المرأة في الأندلس ، لكن رغم ذلك تبقى أنّها كانت تتصف بصفات سيئة لكثرة محاورتها للرجال ، إذ يمكن أن تكون أكثر الشاعرات هجاء.

أما قصتها مع ابن زيدون فنرجئها الى دراسة اخرى بحول الله..

0 commentaires:

إرسال تعليق