هي " ولاّدة بنت المستكفي
باللّه محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الناصر
لدين اللّه "(1) ، وهي من البيت الأموي بالغرب الإسلامي ، "وابنة
الخليفة محمد بن عبد الرحمن الناصر
الملّقب بالمستكفي ، ولقد تولى الخلافة سنة 414 ﻫ "(2) ، ويذكر أنّها
كانت أميرة " حسناء فاتنة ساحرة ،
جذابة ، مرحة،خفيفة الظلّ ، حلوة الروح ناقدة وشاعرة ، حصيفة ذكية ، بصيرة
بالأساليب الشعرية ، متمكنة من الأسرار الفريدة"(3) .
إضافة إلى ذلك قيل أنها
" حسنة المحاضرة مشكورة المذاكرة ، وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف ،
كما كانت تناظر الشعراء وتساجل الأدباء وتفوق البلغاء ، وقيل عنها أنّها لم تتزوج
قط وماتت سنة 484ﻫ "(4) .
يتفق ابن عذارى مع ابن بسام في وصف
المستكفي خلقيا ، ويضيف في وصفه الخارجي فيقول " .. أشقر أزرق أشم مدوّر
الوجه و اللحية ، ضخم الوجه والجسم ، كبير البطن وصاحب أكل وشرب وجماع وتخلف
"(5) .
وقد خرجت إبنته ولاّدة على نهاية
في الأدب و الظرف ، و حسن منظر و مخبر ، وحلاوة مورد ومصدر حتى قيل أنّ "
مجلسها بقرطبة لأحرار المصر وفناؤه ملعبا لجياد النظم والنثر(6) .
و كانت ولادة قد أخذت قسطا وافرا من التعليم قبل وفاة أبيها ، حيث أحضر لها
العلماء و المثقفين ودأب على تربيتها ، إلا أنّه قيل عنها "ورثت عنه وعن
امّها الشريرة ميلها إلى المرح و التحرر من قيود المجتمع والجرأة على
الفساد"(7) .
ويقول ابن بشكوال في كتابه
الصلّة " كانت أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر، وكانت تناظر
الشعراء وتساجل
الأدباء ، وعمّرت طويلا ولم تتزوج قط "(1) ، ولولادة مكانة عالية بين شعراء الأندلس وشاعراتها ، وهي ذات شخصية فذّة جمعت بين عراقة النسب الأموي
والذّكاء العربي المفرط ، والجمال الساحر وسعة في الإطلاع ، وحلاوة في البيان وكلّ
هذّا في " جو القصور البهيجة وبين الجواري و الحواشي "(2) ، فتحت أبواب
قصرها للأدباء و الشعراء ورجال الفكر، فكان صالونا أدبيا يتهافت عليه الشعراء
والكتّاب ، وهكذا كان منتدى ولاّدة تجمع فيه الجمال و الأدب و الذوق ، وأنيق الشعر
و رفيع الغناء وحسن المعشر ورواء الحديث وحلاوة الرد وحرارة النكتة وقد عدّها
الشعراء من كبيرات ربّات المجالس الأدبية"(3) .
ويقول ابن سعيد : "إنّها
بالغرب كعلية ( أخت الرشيد ) في الشرق ، إلاّ أنّ هذه أي ولادة تزيد بمزية الحسن
الفائق ، وأمّا الأدب والشعر والنّادرة وخفة الروح ، فلم تكن تقصر عنها ، وكان لها
صنعة في الغناء وكان مجلسها يغشاه شعراء قرطبة "(4) ، وهذا ما يؤكد قدرتها
على الشعر و احتلالها المكانة المرموقة بين شعراء عصرها ويذكر أنّ " ولاّدة
وجدت في جوها الحافل متنفسا ينسيها الفواجع التي تجرّعتها و الأرزاء التي أذاقتها
الأمرين ، وحاولت أن تتغافل عن كلّ ذلك بما تقوم به من مقابلات في قصرها لرواد
الثقافة و ما تقتضيه معهم من الساعات الطوال في المطارحات الأدبية "(5) .
ومهما يكن من أمر فقد استطاعت
شاعرتنا أن تفتن شعراء عصرها بجمالها وسحرها و ذكائها وحلاوة عشرتها، فاجتمع في
ندوتها من معاصريها شعراء وادباء، ووزراء من الرجال و النساء وكانت تستقبل الجميع
ببشاشة ولطف ، فيعجب بها الرواد ويتمنى كلّ واحد منهم أن تكون له وحده ، وقد أشارت
إلى ذلك حين قالت :
"إنّي وإن
نظر الأنام لبهجتي كظباء مكة صيدهن حرام.
يحسبن من لين الكلام فواحشا ويصدّهنّ عن الخنا
الإسلام "(1) .
ردّ عليها أحد روادها بقول بشار :
لا يؤنسك من
مخدرة قول تغلّطه وإن جرحا
عسر النساء إلى
مياسرة و الصعب يركب بعدما
جمحا "(2) .
والملاحظ أنّ هناك تناقض واضح عند ابن بسام حين يقول " أنّها كانت
تتمتع بطهارة أثواب"(3) ، ثمّ إنّ تحرر ولاّدة واقع قد أكّده " أبو عبد
الله بن مكي شيخ ابن بشكوال "(4)فيما بعد حين قال : " لم يكن لها تصاون
يطابق شرفها"(5) ، وهو حكم أخلاقي يرجع إلى التقييم المتناقل بين الناس ،
ووصفوها بعدم تخلقها ، كما ينبغي أن تتحلى به فتاة مثلها في ثقافتها ووعيها ، ولا
تعرف حدودا تقف عندها لحريتها الشخصية ، ولو كانت تتوفر على نصيب من العفاف ، لما
تجرأ صاحبها ابن زيدون على قول كلّ ما جرى له معها في ليلة عذبة في قطعة نثرية
أثبتها ابن بسام الذي وصفها بطهارة الأثواب ، ونص القطعة
يبتدئ من قوله : " كنت في ايام الشباب وغمرة النصاب هائما بغادة تدعى
ولاّدة "(6) ، إلى أن يقول في إباحية سافرة " وبتنا بليلة نجني أقحوان
الثغور ونقطف رمان الصدور " (7).
وقد روى كثيرون من مؤرخي عصرها أنها كتبت بالذهب على عاتقها الأيمن والأيسر
مايلي :
"أنا و
الله اصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
أمكن عاشقي من
صحن خدي وأعطي قبلتي من
يشتهيها(8) .
فبالرغم من هذه الإباحية اللامتناهية إلا أننا نجد بعض المؤرخين يصفونها
بالعفاف ، ففي تمام المتون يقول
الصفدي عن ولاّدة " وكانت مشهورة بالصيانة و العفاف " (1) ، وأيضا المقري في نفحه علّق بنفس قول الصفدي عن ولاّدة أنّها " مشهورة بالصيانة و العفاف "(2)، وليس بهذا الأمر غير ما قاله عنها ابن سعيد عندما يقرر بعلاقتها في قوله : " فعلقت بها مهجة ولزمت تأديبها، و أنشدها مايلي :
الصفدي عن ولاّدة " وكانت مشهورة بالصيانة و العفاف " (1) ، وأيضا المقري في نفحه علّق بنفس قول الصفدي عن ولاّدة أنّها " مشهورة بالصيانة و العفاف "(2)، وليس بهذا الأمر غير ما قاله عنها ابن سعيد عندما يقرر بعلاقتها في قوله : " فعلقت بها مهجة ولزمت تأديبها، و أنشدها مايلي :
ولاّدة قد صرت
ولاّدة من دون بعل
فضج الكاتم
حكت لنا مريم
لكنه نخلة هذي
ذكر قائم"(3) .
كما لدينا آراء أخرى بشأن ولاّدة
والذي بها تبين لنا أنها كانت مشهورة جدا ، حتى أنّ المستشرق الفرنسي هنري بيرس
قال يها : " إنّ العلاقة التي كانت تربط ولادة بمهجة والتي ليس فيها شك تلك العلاقة
تبين بأنها كانت تسخر من التقاليد "(4) .
ما نستطيع قوله هو أنّ في شعر
ولاّدة هناك ما ترضاه الأذن و القلب ويتلذذه ، فهي تعطينا صورة رائعة وواضحة عن
حرية المرأة في الأندلس ، لكن رغم ذلك تبقى أنّها كانت تتصف بصفات سيئة لكثرة محاورتها
للرجال ، إذ يمكن أن تكون أكثر الشاعرات هجاء.
أما قصتها مع ابن زيدون فنرجئها الى دراسة اخرى بحول الله..