الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

الحياة الثقافية في الأندلس.ج1.د/سامية جباري

        لقد كانت الفترة الأولى من عصر الفتوح في المغرب والأندلس مليئة بالغزو و محاولات إخماد الفتن التي كانت تذكيها العصبيات القبلية، فكان لذلك أثره في قلة تشجيع العلوم، خاصة أن الجيش المغاربي الذي شارك في الفتح لم تتمكن اللغة العربية منه، وكان النزر القليل منه من التابعين حفظة القرآن وأحاديث النبي r الذين عملوا على تعليمها كخطوة ذات أهمية نحو استعراب الجزيرة.
        وبمجيء عبد الرحمن الداخل توافدت عليه موالي الأمويين حاملين معهم كثيرا من آداب الشرق ومعارفه، ووضعوا بذلك" بذور تلك الحضارة والحياة الفكرية التي ازدهرت في الأندلس بعد سنين" .
        فقد ذكرت المصادر أعدادا وافرة من المفكرين والعلماء والأدباء في مختلف الميادين، كما زخرت التراجم بأعلام الأدب والفكر والفنّ.
        فبالرغم من كون عبد الرحمن الداخل من "أهل العلم"، إلاّ أن الحركة الفكرية لم تتسع إلاّ بخلافة الناصر وابنه المستنصر، حيث بلغت الأندلس في خلافة الناصر "ذروة القوة والوجاهة"
        أما ابنه المستنصر فقال عنه المقري أنه كان "محبا للعلوم مكرما لأهلها جمّاعا للكتب في أنواعها"، ممّا جعله يستدعي العلماء من الشرق لإلقاء المحاضرات والوعظ في مسجد قرطبة، وكان يجري عليهم الأرزاق وأقام للعلم والعلماء سوقا نافقة جلبت إليها بضائعه من كل قطر، وكان سبّاقا في اقتناء الكتب والمصنفات من أصحابها كما فعل مع أبي فرج الأصبهاني في كتابه" الأغاني" حيث أعطاه ألف دينار من الذهب العين نظير نسخة منه، وكذا فعل مع القاضي أبي الأبهري المالكي في شرحه لمختصر ابن عبد الحكم، ويذكر المقري أنه اجتمع لديه أنفس الكتب حتى بلغت كتبه أربعمائة ألف مجلد.
        والملاحظ أن  الثقافة الأندلسية ظلت مستوحاة من المشارقة شكلا ومضمونا في جميع ألوان المعرفة، فكثرت الرحلات العلمية نحو المشرق، وكثر توافد علمائه إلى الأندلس أمثال أبو علي القالي إمام اللّغة والأدب.
العلوم الشرعية:
        ارتكزت الثقافة العربية الإسلامية على دراسات تمثلت بالخصوص في علوم الشريعة إذ كان أهم ما يميز رجال الفكر في الأندلس يومئذ هو اقتصارهم على دراسة تلك العلوم، من حديث وفقه وقراءات، حتى برز عدد جمّ من الفقهاء الذين كان نفوذهم قويا في عهد هشام خلف عبد الرحمن.
        علما بأن الأندلس والمغرب عرفا من قبل مذاهب فقهية متعددة، ففي الأندلس برز مذهبان فقهيان، المذهب الشافعي الذي ظلّ قاصرا على نفر من الفقهاء ثمّ المذهب الظاهري الذي لقي انتشارا أوسع.
        أما المغرب فقد عرف الفقه الإباضي والفقه الشيعي إبّان الفاطميين، وفي عهد هشام بن عبد الرحمن دخل إلى الأندلس المذهب المالكي وعلى يد تلاميذ مالك من أمثال: الغازي بن قيس، وزياد بن عبد الرحمن، وعيسى بن دينار، حيث استقبلهم هشام وأذن لهم بتدريس المذهب المالكي واتخذ القضاة عندئذ الحكم به، بحيث استحوذ فقهاء المالكية على مناصب الدولة، "وانتشر نفوذهم"، وأصبح الأمير لا يقطع أمرا إلاّ بعد مشورتهم.
        وقد حاول ابنه الحكم القضاء على نفوذهم فكانت الواقعة الشهيرة مع أهل الربض من قرطبة في صدر ولايته، ووجه رسالة إلى جميع عمّاله في نواحي الأندلس وكورها يشرح فيها واقعة الربض وظروفها قائلا:" إنه لمّا كان يوم الأربعاء لثلاث عشرة من رمضان تداعى فسقة أهل قرطبة وسفلتهم فلمّا رأيت ذلك  من غدرهم وعدوانهم أمرت بشدّ جوار المدينة، فشدّ بالرجال والأسلحة ثمّ انهضت الأجياد خيلا ورجالا إلى من تداعى من الفسقة بأرباضها"
        وممّن لمع من رجال الفقه يحيى بن يحيى اللّيثي، "كان مع إمامته ودينه مكينا عند الأمراء معظما وعفيفا عن الولايات متنزها".
        وعيسى بن دينار فقيه الأندلس في عصره واحد من علمائها المشهورين، "كانت الفتيا تدور عليه بالأندلس لا يفوته أحد"، وأبي الحسن علي بن محمد القيرواني، "عالم المالكية بإفريقية في عصره، كان حافظا للحديث وعلله ورجاله، فقيها أصوليا".
        أمّا علم الحديث فقد ضاقت دراسته لأن الفقهاء اشتغلوا بالتفريعات والرأي، إلاّ أن هذا الحال لم يدم، فقد ملأ بقي بن مخلد الأندلس حديثا ورواية، وانفرد بإدخال مصنف بن أبي شيبة، فصارت الأندلس دار حديث وإسناد.

        وما كانت تنتهي المائة الثالثة حتى بلغت العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير في الأندلس مكانا ساميا، فنجد المستنصر "يتخذ المؤدبين يعلمون أولاد الضعفاء، والمساكين القرآن وأجرى عليهم المرتبات".
يتبع....علوم اللغة والأدب ج2

0 commentaires:

إرسال تعليق