الدراسات اللغوية والادبية:
بالإضافة إلى
العلوم الشرعية اهتمّ بنو أمية بالدراسات اللّغوية التي مهّد لها الفاتحون الأوائل
للمغرب والأندلس الذين حملوا معهم لغتهم، والتي انتشرت بانتشار الإسلام، إلاّ أن
الحاجة ظلت ملّحة إلى من يعلم البربر والمولدين في الأندلس أمور الدين واللّغة.
ولمّا دخل بنو
أمية الأندلس كانوا لا يقبلون إلاّ على ماهو عربي، فانتشرت اللّغة العربية وقويت
مكانتها وظهر أئمة اللّغة.
فقد بلغ اهتمام
هشام بن عبد الرحمن باللّغة العربية إذ "جعلها لغة الكنيسة للنصارى في
الأندلس" أمّا الدراسات اللّغوية فقد اقتصرت على تقليد المشارقة.
فأبو العلا
صاعد، كان عالما باللّغة والآداب والأخبار، ألف كتاب الفصوص على نحو كتاب النوادر
لأبي علي القالي، كما أدخل كتاب العين إلى الأندلس ثابت بن عبد العزيز السرقسطي
وألف أبو بكر الزبيدي مختصرا لهذا الكتاب.
أمّا الأدب فلو
استخرجنا كل الأبيات والمقاطع الشعرية من المصادر لتبيّن لنا أن معظم خلفاء بني
أمية كانوا مطبوعين على الشعر أو ميّالين إلى قرضه، يرون في المشرق مثلا يحتذى به،
فجاء أدبهم تقليدا للمشارقة في النوع والأغراض.
فهذا عبد الرحمن الدّاخل كما قال عنه ابن
عذاري" مطبوع الشعر"، من قوله متذكرا وطنه عند نزوله بمنية الرصافة:
تبدت لنا وسط الرصافة نخـلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التّغرب والنّوى وطـول التنائي عن بنيّ وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غـريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
كما كان الحكم بن هشام وابنه عبد الرحمان مطبوعين على
الشعر، مما أورده ابن عذاري المراكشي قول الحكم:
قضب من البان ماست فوق كثبان أعرضن
عنّي وقد أزمعن هجراني
ناشدتهنّ بحقّي فاعتزمن علـيّ
الهجران حتى خلا منهم هيمانـي
ملّكتني ملك من ذلّت عزيمتـه للحبّ ذلّ أسير موثق عانــي
وقول
عبد الرحمن:
أرى المرء بعد العزّل يرجع عقله وقد كان في سلطانه ليس يعقـل
فتلفيه جهم الوجه ما كان واليـا ويسهل عنه ذلك ساعة يعـزل
وهؤلاء الأمراء لم يقفوا عند حدّ التعبير
عن خواطرهم، وإنّما تجاوزوا ذلك إلى تشجيع الأدباء والشعراء بحيث تكاثر عددهم
وملأوا الأندلس شعرا ومن هؤلاء، عبّاس بن فرناس، وقد قال عن وقعة وادي سليط CUAZOLETE:
ومختلف الأصوات مؤتلف الزّحف لهوم الغـلا عبّل القنـابل ملـتف
إذا أومضت فيه الصوارم خلتهـا بروقا تراءى في الجهام وتستخفي
وقد كان لقدوم زرياب أثرا في إحياء
الموسيقى، حيث أنشأ لها "معهدا يعلم فيه الشبّان"، وابتكر طريقة لكتابة
هذا الفنّ فذاع صيته وانتشر علمه.
كما توصل مقدم بن معافر، ومدرسته إلى
استنباط الزجل والموشحات، وكان لهذه الظاهرة في الأدب أعمق أثرا، وهي في الفنّ
والموسيقى أبعد غاية.
أمّا الكتب الشهيرة التي ألّفت خلال هذه
الحقبة فهي: "العقد الفريد" لابن عبد ربه، "النوادر والأمالي"
لأبي علي القالي، "ثمار العدد" و"اختصار تعديل الكواكب"
لمسلمـة بن أحمد المجريطي، "الإبريسيم" في خمسة مجـلدات ليحيى بن اسحاق،
"فتـاوى الصحابـة والتابعين ومن دونهم" لبقى بن مخلد، "مسالك
افريقيا وممالكها" لأبي عبد الله محمد بن يوسف.
كما اهتمّ بنو أمية بعلم التاريخ والجغرافيا،
فألّفوا كتبا وكانت غايتهم في ذلك معرفة المدن والطرق المؤدية للحجّ، وساعد على
هذا أيضا كثرة الرحلات نحو المشرق طلبا للعلم، وزيارة الأماكن المقدسة، ومن أنفس
ما ألّف في هذا المجال: "مسالك افريقيا وممالكها" لأبي عبد الله محمد بن
يوسف، وله أيضا كتاب "أخبار ملوكها وحروبهم وكتاب" أخبار مجموعة"
لمؤلف مجهول وضع فيه صاحبه عددا من الأحداث إلى غاية عهد عبد الرحمن الناصر.
يتبع.... الدراسات التطبيقية في الاندلس ج3