الجمعة، 3 أكتوبر 2014

الحياة الثقافية في الاندلس-عصر المرابطين ج2- د/سامية جباري

    

   أمّا الدراسات اللّغوية فقد اتسعت في أيام المرابطين وظهر أقطاب اللّغة من أمثال: أبو عبد الله محمد بن مسعود بن خلصة بن أبي الخصال (ت540هـ) كان "متقدم اللّغة والآداب والكتابة والخطابة والشعر".
        ثم إنّ الصبغة الدينية التي تميزت بها الحركة المرابطية جعلت من أولوياتها تثبيت أركان الحكم الإسلامي في الأندلس بالجهاد المستمر، وغزو النصارى لإرساء قواعد دولة قوية مترامية الأطراف، لذلك لم يكتب للحركة الأدبية في عهد المرابطين أن تنعم بتشجيع كاف من أمراء الدولة مثل الذي شهدته في عهد أمراء الطوائف، إلاّ أنّ ذلك لا يعني عدم وجود مفكرين وأدباء، فقد احتل كتّاب الأندلس مكانة راقية وكان حظهم أوفى من حظّ غيرهم من الأدباء الأندلسيين لحاجة الدولة إليهم، ومن هؤلاء الكتّاب من كتب أو وزر لبعض ملوك الطوائف، كابن عبدون كاتب المتوكل بن الأفطس ثمّ لسير بن أبي بكر، ولعلي بن يوسف، ومنهم أبو بكر بن القصيرة أحد كتّاب المعتمد بن عبّاد ثمّ انتقل إلى بلاط المرابطين وكتب لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين.
        أمّا أنفس ما ألف في هذه الفترة فنحصره في :" المستخرجة" و"البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل العتبية " للقاضي ابن رشد، وكتاب "محاسن المجالس" لابن العريف أحمد بن محمد بن موسى، و"حلّ شكوك الأحوذي في شرح الترمذي" لمحمد بن عبد الله بن العربي، و"نزهة المشتاق" للإدريسي وغيرها..
        وإذا استعرضنا حالة الشعر في عهد المرابطين فيتمثل لدينا قول الدكتور إحسان عباس:" حتى إذا حلّ عصر المرابطين تراجعت منزلة الشاعر أكثر من ذي قبل وأصبح التصريح بكساد الشعر أشدّ وأوضح"، فقد وجد الشاعر نفسه محاصرا بين رجل السيف الذي هو من الملثمين أو فقيه وكاتب وهو عادة من الأندلسيين.
        إلاّ أن الشعر الذي كسدت سوقه هو شعر التكسّب الذي كثر في عهد أمراء الطوائف، ثمّ إن الشعراء مدحوا سلاطين المرابطين بعد يوسف بن تاشفين، كالأعمى التطيلي الذي قصر ديوانا برمته على أمير المسلمين علي بن يوسف بعد الحملة التي قادها على ألفونسو صاحب طليطلة، ومن أشهر الشعراء نجد: أبو طالب عبد الجبار المعروف بالمتنبي، "وهو أبرع أهل وقته أدبا وأعجبهم مذهبا وأكثرهم تفننا في العلوم وأوسعهم ذرعا في المنثور والمنظوم" من شعره:
        كيف البقاء ببيت لا أنيس به         ولا وطـاء ولا ماء ولا فـرش
        كأنّه كوّة في حائط ثقبـت            في ظلمة اللّيل يأوي جوفها حنش
        ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة، "مالك أعنّة المحاسن وناهج طريقها، العارف بترصيعها وتنميقها، الناظم لعقودها الراسم لبرودها، من شعره:
      أما والتفات الرّوض عن أزرق النّهر       وإشراق جيد الغصن في حلّة الزهر
        ولم ألـق إلاّ صعدة فـوق أمة       فقلت قضيب قد أطلّ على نهـر
        كان إحراق كتاب "إحياء علوم الدين" دليلا واضحا على عدم اهتمام المرابطين بعلم الكلام والفلسفة، ويظهر ذلك جليا في قول المراكشي:" ودان أهل ذلك الزمان بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شيء من علم الكلام، وقرر الفقهاء عند أمير المسلمين بتقبيح علم الكلام وكراهة أهل السلف له، وهجرهم من ظهر عليه شيء منه، وأنه بدعة في الدين".
        وقد وقف علّي بن يوسف عند رأي الفقهاء فكتب إلى أهل المغرب والأندلس بأن يبحث عن نسخ الإحياء بحثا دقيقا، ويحرق ما عثر عليه منها، فجمع من نسخها عدد كثير ببلاد الأندلس، ووضعت بصحن جامع قرطبة وصبّ عليها الزيت ثمّ أوقد عليها بالنار، وكذا فعل بما ألقي من نسخها بمراكش، وتوالى الإحراق عليها في سائر بلاد المغرب. إلاّ أن ذلك لم يمنع من أن ينصرف نفر إلى الفلسفة كابن السيد البطليوسي، أمّا فيلسوف هذا العصر فابن ماجة.
        أما التاريخ، فقد اهتم به المرابطون فظهر عدد من المؤرخين كأبي بكر الصنهاجي الذي اهتم في كتابه" البيدق" بنشأة الدولة الموحدية، وحياة المهدي بن تومرت الذي توفي في عهد المرابطين فكان كتابه حجّة في تاريخ هذه الفترة.
        كما ألف القاضي عياض كتابه "ترتيب المدارك"الذي فصل فيه حياة أئمة مذهب مالك في عصره.
        وممن كتب عن تاريخ المغرب في هذه الفترة بصفة جزئية ابن بسام وابن بشكوال وهما من أدباء الأندلس ومؤرخيها، وكذا اليسع بن عيسى بن حزم بن عبد لله بن اليسع الغافقي (ت575هـ) في تأليفه "المغرب في أخبار محاسن أهل المغرب".
        من البارزين في الجغرافيا الإدريسي صاحب" نزهة المشتاق" الذي كلّفه خمس عشرة سنة من البحث والـتأليف وقد ترجم إلى اللّغات اللاتينية.
        أمّا العلوم الرياضية والطبيعية فنبغ فيها نفر من العلماء من أمثال أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت وهو "من أكابر الفضلاء في صناعة الطبّ وفي غيرها من العلوم وله التصانيف المشهورة والمآثر المذكورة"، من تآليفه:" الرسالة المصرية" ذكر فيها ما رآه في ديار مصر من هيئتها وآثارها، ومن اجتمع بهم فيها من الأطباء والمنجمين والشعراء وغيرهم من أهل الأدب، وكتاب "الأدوية المفردة".
        كما شاركت المرأة في الحياة الفكرية إبّان العصر المرابطي فنبغت سيدات فاضلات كتميمة بنت يوسف بن تاشفين، فقد كانت راجحة العقل مشهورة بالأدب والكرم. ومنهن حواء بنت تاشفين، "كانت أديبة شاعرة جليلة ماهرة" تحضر المجالس الأدبية وتجتمع بالشعراء والكتّاب وتجادلهم.
        أمّا عن الفن المعماري، فقد اشتهر المرابطون ببناء المساجد والأسوار المنيعة حول المدن والقلاع الحصينة والقصور العظيمة، كان أول ما أنشأه المرابطون مدينة مراكش سنة 454هـ "التي تعد معسكرا حربيا ومقرا للقيادة اللّمتونية" ، ثمّ كان تسويرها سنة 520هـ حسب رواية صاحب الحلل الموشية على يد عليّ بن يوسف، وبنى جامعها ومنارها، وقد "أنفق في تسويرها سبعين ألف دينار من الذهب"، وكان ذلك بفتوى من ابن رشد القاضي الفقيه، عندما بدأ خطر الموحدين".
        ومن المساجد التي شيّدها المرابطون مسجد عليّ بن يوسف بمراكش، وقد "كلّفه بناؤه ستين ألف دينار مرابطية"، ومسجد تلمسان الذي بناه علي سنة 536هـ.
        والذي تجدر الإشارة إليه حول العمارة في عهد المرابطين أنهم اهتموا بعنصر القوة والمناعة قبل الفن والزخرفة، ومع ذلك فقد عدّ عصرهم عصر الفن الأندلسي المغربي لأنهم جمعوا بين الطابع المغربي في بناء الحصون والأسوار والقلاع إلى جانب الطابع الأندلسي المتمثل في الزخرفة.

        كما اعتنوا بإنشاء بعض الحدائق الجميلة واتسعت في عهدهم الصلات التجارية بين المغرب والأندلس، ثمّ بين المغرب والسودان، فازدهرت زراعة قصب السكر في ناحية السوس ولعبت أغمات دورا تجاريا هاما في نقل النحاس وثياب الصوف وصنوف الأصداف والأحجار الكريمة والعطور.

0 commentaires:

إرسال تعليق