تعتبرالحياة
الفكرية في عصر المرابطين مزيجا بين ما خلفه ملوك الطوائف من علوم وفنون
وآداب وما حققه المرابطون أنفسهم، فكان هذا التداخل الفكري واضحا في العهد
المرابطي، حيث نجد أكبر العلماء ورجال الفكر من أمثال ابن باجة وابن عبدون وغيرهما
عاشوا المرحلتين من الحكم الإسلامي في الأندلس، وبتوحيد المغرب والأندلس أصبحت
حاضرة مراكش تشبه حاضرة بني العباس في كثرة توافد أهل العلم والفن، إذ يقول
المراكشي:" وانقطع إلى أمير المسلمين من كل علم فحوله… واجتمع له ولابنه من
بعده من أعيان الكتّاب وفرسان البلاغة، ما لم يتفق اجتماعه في عصر من
الأعصار".
وقد كان لاحتكاك الأندلسيين بالمغاربة أن
ازدهرت المعارف، ونشطت الحركة العلمية وضمّ بلاط المرابطين أعلاما تزخر بهم
المصادر، فأصبحت بذلك المدن المغربية تعجّ بطلاب العلم والعلماء، "وصارت
المساجد والمجالس وغيرها تشهد المنافسات الفقهية واللّغوية والأدبية"، ويعد
عصر المرابطين "عصر فقهاء أكثر منه عصر أدباء وفلاسفة".
وقد رأينا كيف أصبح للفقهاء مكانة مرموقة
في بلاط المرابطين والذي تجدر الإشارة إليه أنه" لم يكن يقرب به أمير
المسلمين أو يحظى عنده إلاّ من علم الفروع أعني فروع مذهب
مالك"، ذلك أن مؤسس دولة المرابطين عبد الله بن ياسين درس على المالكية ، فلا
غرابة أن يتشبع ملوك المرابطين بتعاليم المذهب المالكي، فخاضوا في الفروع حيث لا
سبيل للاجتهاد أو الاستنباط، واكتفوا بالتسليم به دون معارضة، وكان من نتائج
ذلك"أن ألغي علم أصول الفقه".
فتجردت الدراسة من روح الكشف وانصرفوا عن
النظر والاجتهاد، وهذا ما أشار إليه المراكشي في قوله:"حتى نسي النظر في كتاب
الله وحديث رسول الله" وهم لم يكتفوا بذلك فقط بل عمدوا إلى حرق
كتب أبي حامد الغزالي" إحياء علوم الدين" سنة 503هـ لما يحتويه من
"إحياء للدراسات الأصولية وفضح لنزعة الفقهاء وحرصهم على الدنيا وطمعهم في
الحصول على المناصب الرفيعة".
فكان"
يكتب عنه في كل وقت إلى البلاد بالتشديد في نبذ الخوض في شيء منه وتوعد من وجد
عنده شيء من كتبه".
ويرجع ابن القطان زوال ملك المرابطين واندثار
سلكهم إلى إحراقهم لهذا الكتاب العظيم الذي ما ألف مثله.
من أشهر فقهاء هذه الفترة محمد بن أحمد بن
رشد (ت520هـ) "كان فقيها عالما حافظا للفقه مقدما فيه على جميع أهل
عصره"، من تواليفه:" البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه
والتعليل".
ومنهم محمد بن علي المازري (ت536هـ)
"الفقيه المالكي المحدث، أحد الأعلام المشار إليهم في حفظ الحديث والكلام
عليه"، من كتبه:" المعلم بفوائد كتاب مسلم" وشرح كتاب"
التقين" في عشرة أسفار، وهو من أنفس الكتب.
ومنهم أبو بكر بن العربي (ت543هـ)
"فقيه حافظ متفنن أصولي محدث مشهور، أديب رائق الشعر" ، من
كتبه:" أحكام القرآن" في ستة أسفار.
وتجدر بنا الإشارة في هذا المقام إلى أنه
كان لكتاب الإحياء فضل كبير في تقريب الشقة بين التصوف والفقه في المغرب والأندلس،
رغم اضطهاد الفقهاء له، فقد ظهر في عصر المرابطين أقطاب المتصوفة الأولين بالمغرب
من أمثال أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي "الإمام الزاهد
العارف".
اما الدراسات اللغوية والعلمية نتناولها في الاجزاء اللاحقة
اما الدراسات اللغوية والعلمية نتناولها في الاجزاء اللاحقة