الجمعة، 10 أكتوبر 2014

الحياة الاجتماعية في الاندلس ج3 -عصر المرابطين- د/سامية جباري

وبزوال ملوك الطوائف أصبح المغرب والأندلس يشكلان في عهد المرابطين مملكة واحدة تشابهت فيهما ظروفهما الاجتماعية والسياسية، فقد عرف المغرب منذ ولاية يوسف بن تاشفين "الاستقرار والأمن والرخاء بعد الفتن المضطرمة التي لبثت قبل الفتح المرابطي زهاء نصف قرن".
        كما كان للأندلسيين أيضا حظهم في التمتع بالأمن والاستقرار تحت ظل حكم المرابطين، بعدما قضى يوسف بن تاشفين على ملوك الطوائف الذين استباحوا أملاك الرعية، إلاّ أن ذلك لم يمنع يوسف بن تاشفين من أن يتخذ "سياسة الحذر نحو النصارى المحاربين وحماية مصالح المعاهدين، بالإضافة إلى الدفاع عن الأراضي الإسلامية".ممّا ساعده على "صهر قبائل المغرب الأقصى في بوتقة واحدة" فاستحق لقب الزعامة والبطولة.
        يعد يوسف بن تاشفين، أوّل ملك بربري حكم المغرب "وكوّن جيشا قويا تمثلت فيه جميع القبائل المغربية بصفة عامة"، فكانوا أقرب في طباعهم إلى البداوة والجفاء.
ولمّا كان الفتح المرابطي للأندلس لم يكن من السهل أن ينصهر هؤلاء البربر مع الأندلسيين الذين عاشوا تحت " وطأة الحكم المرابطي بجفاء أساليبه وخشونة حكامه الجدد من زعماء البربر".
        إلاّ أنهم وجدوه منقذا لهم من أنواع الظلم والاضطهاد وإثقال كاهلهم بالضرائب، إذ نجذ المرابطين في بدء عهدهم التزموا أحكام الشرع وأبرز مظهر لذلك موقف يوسف بن تاشفين من الضرائب والمغارم، "فلم يفرضوا إلاّ ما جاء في الكتاب والسنّة ولم يجوروا على الناس ولم يلزموهم بضرائب خارجة عن الزكوات والأعشار وجزيات أهل الذمّة وأخماس الغنائم".
        وإذا رجعنا إلى المصادر نجد أن معظمها أثنت على أخلاق يوسف بن تاشفين وابنه عليّ، فيذكر صاحب الحلل الموشية أن "يوسف كان رجلا فاضلا خيّرا.. كثير الخوف من الله" كما كان وليّ عهده عل أخلاق الصالحين، فقال عنه أنه " عظيم البرّ جزيل الصلة".
        ونحن نلمس في رسائلهم حرصهم الشديد على تطبيق مبادئ الشريعة السمحاء من تقوى الله وإقامة العدل والبر بالرعية
        فهذا يوسف بن تاشفين في عهده لابنه عليّ يذكّره بجملة من الوصايا ويدعوه إلى تطبيق الشريعة وتحري العدل ممّا جاء فيها:
" وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسنة في أحد عصى أو أطاع، ولا ينام به عن حماية من أسهره الحيف والخوف والاضطجاع".
        كما وجّه عليّ بن يوسف سنة 510هـ إلى أبي محمد بن فاطمة كتابا يحضه فيه على إقامة الحق وهو من إنشاء ابن الجدّ، ممّا جاء فيه:
".. وقد رأينا والله وليّ التوفيق الهادي إلى سواء الطريق أن نجدد عهدنا إلى عمالنا بالتزام الحق وإيثار أسباب الترف فاتخّذ الحق إمامك وملّك يده زمامك، وأجر عليه القويّ والضعيف أحكامه"
        ولمّا انضافت ولاية قرطبة إلى تاشفين كتب له بذلك ابن أبي الخصال عن أبيه:
".. وأوّل ما نوصيك به تقوى الله، فاجعلها بردة شعارك وعقدة إضمارك وعهدة إيرادك وإصدارك ثمّ اعتمد المعدلة في عباد الله".
        لقد اعتمد المرابطون كثيرا على عناصر الجيش وبخاصة أن حركتهم الجهادية تتطلب جندا وحرسا وقائمين على شؤون الدولة، فجنّد الأجناد وأخذ في جمع الجيوش فاشتملت الدولة المرابطية على أجناس مختلفة حيث اشترى يوسف بن تاشفين جملة من
عبيـد السودان سنة 464هـ، كما بعث إلى الأندلس فاشترى منها جملة من العلـوج(الصقالبة)، "وانتهى عنده مائتان وخمسون فارسا ومن العبيد-الزنوج والأفارقة-نحو ألفين فغلظ حجّابه وعظم ملكه".
        كما شارك في جيش المرابطين فرقة من "الغزّ الأتراك، بالإضافة إلى قبائل صنهاجة على اختلافها والمصامدة وجزولة وزناتة" ، وكان من سكان المغرب والأندلس إضافة إلى عناصر الجيش من مرتزقة ومتطوعة وصقالبة وغزّ أتراك نجد أقلية من العرب والبربر إلى جانبهم النصارى المعاهدون الذين عاشوا تحت ظل الحكومة الإسلامية يتمتّعون برعايتها، ولم يشعروا بالولاء لها بل كانوا يشكلون خطرا داخليا على الأندلس خاصة منذ سقوط طليطلة، لذلك نجدهم سرعان" ما أرسلوا إلى فردلند سفرا يشمل على اثنى عشر ألفا من أسماء أنجاد مقاتليهم" يظهرون له ولاءهم وأنهم على أهبة الاستعداد للدفاع ضد المرابطين، فانكشف أمرهم وكانت نهايتهم بفتوى تغريبهم.
        ويعتبر عليّ بن يوسف "أوّل من استعمل الروم بالمغرب وأركبهم وقدّمهم على جباية المغارم".
        لقد استمدت الحركة المرابطية أسس دعوتها من العقيدة الإسلامية حيث تربى القادة الأوائل في رباط عبد الله بن ياسين فتشبعوا بالمبادئ والأخلاق، ومن هنا كان المبدأ الديني هو القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها الدولة في سياستها، ممّا سمح للعلماء والفقهاء والمشتغلين بأمور الدين أن يحتلوا مكانة مرموقة.
        فهذا يوسف بن تاشفين "يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم" وكان يفضّل الفقهاء ويعظم العلماء، "ويصرف الأمور إليهم ويأخذ فيها برأيهم ويقضي على نفسه بفتياهم".
        وقد ذكر المراكشي في المعجب أن عليّ " لا يقطع أمرا في صغيرة أو كبيرة حتى يشهد أربعة من الفقهاء، فعظم شأنهم وزادت رفعتهم فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغا عظيما".
        وهذا النفوذ الذي كان يتمتع به العلماء والفقهاء في الأندلس ومشاركتهم في شؤون الحكم "امتدّ إلى مراكش"، ولم يكن الترحيب قاصرا على فقهاء المغرب فقط بل حتى علماء الأندلس الذين توجّهوا إلى عاصمة المرابطين لينعموا برعايتهم، "فانقطع إلى أمير المسلمين من الجزيرة من أهل كلّ علم فحوله، حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم"
        أمّا المرأة المرابطية فقد كان لها دور عظيم في المجتمع المرابطي وتمتعت بنفوذ واسع بدء بزينب النفزاوية زوجة يوسف بن تاشفين، والتي كانت ترفض كل من كان يتقدم إلى خطبتها من الأشياخ والأمراء، وتجيبهم بقولها " لا يتزوجني إلاّ من يحكم المغرب كله"، ولما أصبحت زوجة يوسف بن تاشفين لم يخالفها قط، وكان يقول لها:" لا خالفتك في أمر تشيرين به أبدا" وهي التي أشارت عليه حينها بخطة جعلته يملك المغرب كله، وتحققت نبوءتها.
        كما تمتعت المرأة المرابطية بقسط وافر من الحرية، حيث كانت تختلط بالرجال في الأماكن العامة، والمناسبات المختلفة، ولا تلتثم، وقد ظلت على هذه الحال حتى جاء المهدي فأنكر عليهن سفورهن.
        وأبرز مظهر لسيطرة المرأة على الحياة السياسية هو تلقب كبار القادة بأسماء أمهاتهن كابن فاطمة وابن عائشة وابني غانية، واعتبر المراكشي هذا الدور البارز للمرأة سببا من أسباب سقوط دولة المرابطين، حيث قال:" واستولى النساء على الأحوال وأسندت إليهن الأمور وصارت كلّ امرأة من أكابر لمتونة ومسوفة مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور"
يتبع... عصر الموحدين

0 commentaires:

إرسال تعليق