لقد
كان لانقسام الأندلس في عهد ملوك الطوائف آثاره السلبية في سياسته الداخلية، إذ هو
عصر تفكك وانحلال سياسي، اتّسم باضطراب الحياة الاجتماعية نتيجة الفتن الداخلية،
والمنازعات بين أمراء الطوائف بالإضافة إلى الحروب المتوالية على الرعية، والتي
"عانت كثيرا من ضروب الاضطهاد والظلم" من جراء فرض الضرائب الباهظة
ليسدوا بها ثغرات ثلاثة:
الضريبة
الأولى
تسد بها ثغرة الجزية التي تدفع للنصارى، ومقدارها خاضع للمساومة، حيث نجدهم
لايتأخرون عن دفعها خوفا من بطش العدو، يقول في ذلك المقري:
"
لاذوا بالجزي للطاغية أن يظاهر عليهم أو يبتزهم ملكهم".
والضريبة
الثانية
هي المفروضة على الجند، وترتفع كلّما كانت الحروب والفتن دائرة بين الأمراء أنفسهم.
والثالثة هي التي يوفّرها الأمراء
وينفقونها في بناء القصور واقتناء فاخر الثياب والأثاث… لاسيما وأن مصادر الأموال لملوك الطوائف قليلة نظرا لضيق الأرض
التي كانوا ملوكا عليها، فعمدوا إلى إثقال كاهل رعاياهم بهذه الضرائب حتى يتمكنوا
من الإنفاق على وجوه ترفهم من بناء القصور واقتناء الجواري الحسان.
فمنهم من كانت "أيّامهم أعيادا
ومواسيم كبني المظفّر"، وبني ذي النور الذين "بلغوا في البذخ والترف إلى
الغاية"، ومثال ذلك ما أورده ابن بسّام في الذخيرة عن إسراف المأمون بن ذي
النون في مدعاة إعذار حفيده يحيى، صوّر هذه المؤدبة بقوله:
"… فحشد أمراء البلاد وجملة الوزراء والقواد فأقبلوا كالقطا القارب
إرسالا وقد رسم لخدمته في توسيع مشارب هذا الإعذار، وإرغاد موائده وتكميل وظائفه
وإذكاء مطابخه رسوما انتهوا إليها إلى حدّه وشقق عليها جيوب أكباسه… وانفقت على مجامره، ومحامره جمل من الأموال الجسام…"
دون أن ننسى أن جزء من هذه الأموال كان
يتخذ شكل الهدايا أو الإتاوات وخاصة التي كان يستعملها الأمراء لضرب بعضهم البعض،
مثال ذلك التحالف الذي عقده المعتمد بن عبّاد مع ملك قشتالة ألفونسو السادسALFONSO VI لافتتاح غرناطة، "فدفع له مقابل الحلف خمسين ألف
دينار"، ومقتضاه أن تكون المدينة للمعتمد وتكون ذخائر القلعة الحمراء
لألفونسو، أما ابن هود فقد أرسل للطاغية، وبعث إليه بأموال جمّة وهدايا نظير خروجه
إلى بلد ذي النون".
وقد كان لثقل الضرائب على الرعية ولسقوط
المدن في الحروب الداخلية ثمّ الهروب من الظلم أن بدأت في الأندلس رحلات منها إلى
المغرب. فاستقبل بلاط المرابطين عددا مهما من العلماء وذوي الكفاءات من جندي وكاتب
ومعماري وشاعر..
أما الفقهاء فقد كانوا ظهيرا لأمراء
الطوائف، "وكانوا أكبر عضد في تبرير طغيانهم وظلمهم"، حيث لم ينفكوا من
تزكية تصرفات هؤلاء الأمراء فيما يتعلق بالضرائب المفروضة على الرعية، فعمرت
بلاطاتهم بالفقهاء وأضحوا يتقلبون فيها كيفما شاءوا رغبة منهم في تحصيل النفوذ
والمال.
وقد وصف ابن حيان هذه الطبقة بقوله:"
… ولم تزل آفة
الناس منذ خلقوا في صنفين اثنين كالملح فيهم الأمراء والفقهاء، قلّ ما تتنافر
أشكالهم بصلاحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون…".
أما المرأة في عهد ملوك الطوائف، فقد كان
لها الحظ الأوفى وشاركت بشكل فعال في إدارة سياسة البلاد، من الخالدات جارية
المعتمد بن عبّاد، اعتماد الرميكية، التي أصبحت زوجته وأمّ أولاده.
وقد عمد هؤلاء الأمراء إلى الاستكثار من
"الجواري الحسان وملاح الغلمان".فإن أرادوا ترفا تغنيهم وإن أرادوا طربا
تكفيهم، وقد بلغ عددهم عند المعتضد بن عبّاد "سبعون جارية".
والجدير بالذكر أن اقتناء الجواري ارتبط
كثيرا بالصوت الشجّي فنشطت حركة الغناء التي كان يحفل بها بلاط الأمراء حتى أضحى
الغناء مظهرا اجتماعيا بارزا.
يتبع .......... عصر المرابطين.