الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

الحياة الثقافية في الاندلس عصر بني الاحمر بغرناطة .د/سامية جباري

وبانهيار سلطان الموحدين وقيام المتغلبين من بني هود، وبني الأحمر وكذا سقوط الثغور الإسلامية في يد النصارى تباعا جعل الحركة الفكرية تتصدع في هذه الفترة، "لانشغال المفكرين والأدباء بالمحنة وآثارها"، فغادر عدد منهم الأندلس كابن العربي وابن البيطار وغيرهم كثير، إلاّ أن هذا الوضع لم يستمر، فما إن بدأت الأوضاع السياسية تستقر في مملكة غرناطة حتى أخذت الحركة الفكرية تخطو نحو التألق والازدهار، وكان ملوك بني الأحمر من حماة العلوم والآداب بحيث كانوا هم أنفسهم في طليعة الأدباء والعلماء مما يؤيد ذلك ما ذكره ابن الخطيب في مؤلفه اللّمحة البدرية أن محمدا الفقيه "آثر العلماء من الأطباء والمنجمين والحكماء والشعراء"، وأن محمد المخلوع كان" يعرف مقادير العلماء ويجيز الشعراء".
وقد بلغت الحركة الفكرية ذروة ازدهارها في عصر السلطان أبي الحجاج يوسف بن اسماعيل النصري(ت755هـ) وولد السلطان محمد الغني بالله (793هـ) حيث حفل العصر بعدد كبير من الأدباء والشعراء.
ثمّ كانت المرحلة الثانية أين شغلت أهل غرناطة الفتن والانقلابات وحروب الاسترداد المسيحي، لنلمح فراغا واضحا في ميادين التفكير ولا نعثر إلاّ على فئة قليلة من المفكرين والأدباء.
ومما ساهم أيضا في تبدد النتاج الأندلسي من فكر وأدب وعلوم سقوط غرناطة في يد النصارى حيث أرغم الأندلسيون على التدجن كوسيلة أكيدة يبتغى من ورائها محو المقومات الإسلامية العربية.
وفي مختلف المراحل التي عاشها مفكرو الأندلس في مملكة غرناطة نلمح بعض الأسماء من كبار المفكرين والعلماء في شتى الميادين.
فقد "كان للعلوم الشرعية القدح المحلى بين سائر المعارف" وذلك لحاجة المجتمع الدائمة إليها، ولأنها بمثابة القوانين، لذا راح أولوا الأمر من بني الأحمر يشجعون العلماء ويجيزون الفقهاء ونتيجة لذلك برز عدد من الفقهاء والمحدثين وأصحاب القراءات من أمثال: إبراهيم بن موسى محمد بن اللخمي الشاطبي صاحب" الاعتصام" و"الموافقات".
أما التاريخ والجغرافيا، فقد اتسع التأليف فيهما وظهر أقطاب في هذا المجال، من أبرزهم ابن خلدون وتاريخه يغني عن الإشادة به وصديقه لسان الدين بن الخطيب الذي أرّخ للأندلس والمغرب وألف أرجوزة في دول الإسلام.
ومنهم محمد بن عبد الله بن الآبار القضاعي وهو "الإمام الحافظ الكاتب الناظم الناثر المؤلف الرواية"، له تصانيف "قطع الرياض"، "تكملة الصلة"، "هداية المعترف في المؤالف والمختلف"
أما العلوم الرياضية والطبيعية والفلك برز فيها أبو الفضل محمد بن عبد المنعم الجلياني الطبيب والشاعر الأديب، وكذا أبو بكر بن عبد الملك بن زهر ، نبغ في الطب والكيمياء والصيدلة.
وإذا عرّجنا نحو اللّغة والأدب، فإن الحركة الأدبية يومئذ احتلت مكانة رفيعة فامتلأت الأندلس بالمراثي والشعر القوي واحتل منصب الوزارة في الدولة النصرية كبار الكتاب وأعلام الأدب والشعر برز منهم: ابن الحكيم محمد عبد الرحمن بن إبراهيم اللخمي (ت708هـ)، "كان إماما فاضلا بارعا في الأدب"، من شعره:
ما أحسن العقـل وآثاره                لو لازم الإنسان إيثاره
يصوّب بالعقل الفتى نفسه            كما يصون الحرّ أسراره
لا سيما إن كان في غـربة             يحتاج أن يعرف مقداره
وأعظمهم مكانة لسان الدين بن الخطيب، من شعره:
خليفة الله سـاعد القـدر               علاك ما لاح في الدّجى مهر
ودافعت عنك كفّ قـدرته             ما ليس يستطيع دفعه البشـر
                 وجهك في النّائباب بدر دجى       لنا في المحّـل كفّك المطر
        وبسقوط دولة الإسلام، لم تنطفي، هذه الروح الشعرية، فبعدما أرغم المدجنون على التنصر أوجدوا لأنفسهم متنفسا عن أفكارهم فيما أسموه الألخميادو في أدبهم، من شعرائهم محمد ربدان RABADAN، فتى أبيرالو EL MANCEDO DE AVERALO.
        أهم مؤلفات هذه الفترة: ابن الأحمر وله "نثير الجمان" و"نثير فرائد الجمان" وابن الخطيب ومؤلفاته عديدة أهمها: "اللّمحة البدرية" "نفاضة الجراب" "الإحاطة في أخبار غرناطة" للشاطبي كتابي "الموافقات" و"الاعتصام" ولأبي القاء خالد البلوي "تاج المفرق في تحلية أهل المشرق" ولإبراهيم بن فرحون "الديباج المذهب".
        كما حفل العصر ببعض الدواوين الشعرية مثل ديوان ابن خاتمة الأنصاري، وديوان ابن الجياب، ومجموع شعر لسان الدين بن الخطيب المسمى "الصيب والجهام".
أما الرسائل فقد راج سوقها لكثرة الكتّاب في بلاط غرناطة.
        أما اللّغة فقد كان نموها طبيعيا لارتباطها بنمو العلوم الإسلامية وازدهارها. فاشتغل الناس بها واجتهدوا في اكتساب أدواتها.
والذي تجدر الإشارة إليه أنه بعد استيلاء النصارى على غرناطة حاولوا جاهدين القضاء على استعمال اللّغة العربية وفرضوا القشتالية على المدجنين وطاردوا من يستعملها خفية، فقد صدر في عهد فيلب الثاني PHILIPP II قانون جديد صارم يحرم على الموريسكيين التخاطب باللّغة العربية أو التعامل بها فانمحت بذلك الآثار العربية.
        وبقي أن نشير إلى الفن والعمارة في غرناطة، فبالرغم عن صغر رقعتها فقد حملت معالم فنية معمارية خالدة، حيث كان بنو الأحمر حماة الفنون، ويكفينا مثلا حمراء غرناطة والتي تتنبئ عن فن صادق ونموذج حضاري في أكمل صورة وما يحمله من نقوش وزخارف وصور يمثل رمزا آخر لروعة الفن الإسلامي.

        ويمكن القول أن الآثار الباقية في الأندلس للقصور والقناطير والحصون والقلاع تمثل أطوار الفن الإسلامي الأندلسي في مختلف عصوره وقد ظهرت محاكاته واضحة في المنشآت النصرانية حتى أضحت قصورهم نماذج لقصور ممالك الأندلس وطراز مساكنهم فيه مسحة أندلسية خالصة.

0 commentaires:

إرسال تعليق