الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

الحياة الثقافية في الاندلس عصرالموحدين ج2. د/سامية جباري

بالنسبة للغة فقد اعتمد ابن تومرت في نشر دعوته على اللسان البربري لكنه سرعان ما تحول إلى اللسان العربي، فكثر الإقبال على اللّغة العربية وعلومها، وبرز أعلام أجلاء مثل محمد بن أحمد بن هشام بن إبراهيم بن خلف اللخمي (ت557هـ) كان قائما على اللغة العربية وعلى اللغات والآداب وله تواليف مفيدة.
وأبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي(ت606هـ) "كان إمام في علم النحو كثير الإطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه".
وإذا نظرنا إلى الأدب فليس من السهل أن نفصل الأدب الموحدي عن المرابطي، لأن كثيرا من الشعراء والأدباء الذين عاشوا عهد المرابطين شهدوا فترة من حكم الموحدين، إلاّ أنهم وجدوا من التشجيع ما لم يجدوه في عهد المرابطين فألفت في هذه الحقبة كتب أهمها: "
أعز ما يطلب"، "الإمامة والمرشدة" لإبن تومرت، "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" لعبد الواحد المراكشي، كتاب" محاسن الأبرار في معاملة الجبار" لمحمد بن عبد الله بن إبراهيم، "الصلة" لابن بشكوال، كما له أيضا خمسين تأليفا في أنواع العلوم، وكتابي" لحن العامة" و"الفصول والجمل في شرح أبيات الجمل" لمحمد بن أحمد بن هشام، و"مقدمة القانون" لعيسى بن عبد العزيز في غاية الإيجاز، مع اشتمال على كثير من النحو لم يسبق لمثلها، وأهم ما شجع الأدباء والشعراء كون الخلفاء الموحدين أنفسهم يتذوقون الأدب والشعر، وقد ذكرت المصادر أن ابن تومرت كان يقول في عبد المؤمن كلما رآه:
تكاملت فيك أخلاق خصّصت بها     فكلنا بك مسـرور ومغـتبط
فالسّن ضاحكة والكف مانـحـة          والصدر منشرح والوجه منبسط
        كما كان خليفته عبد المؤمن على قريحة من الشعر، فعندما عزم على غزو الأندلس كتب إلى عرب بني هلال وهم يومئذ في إفريقيا رسالة يستنصرهم فيها، وقد ذيلها بقصيدة مطلعها:
        أقيموا إلى العلياء هوج الرواحل       وقودوا إلى الهيجاء جرد الصواهل
        وقوموا لنصر دين الله قومة ثائر       وشدوا على الأعداء شدّة صائـل
        فما العزّ إلاّ ظهر أجرد سابـح         يفوت الصّبا في شدّه المتـواصـل
        من شعراء هذه الفترة محمد بن ادريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم(ت644هـ) "كان شاعرا مفلقا بديع التوليد والتجويد"، من قوله:
لك الخير-يا مولاي- ما العبد بامرئ    لديه حـسام بـل لـديه يراع
وهل أنا إلاّ مثل حسّـان شيـمـة            جبان وفي النّظم النفيس شجاع
ومن النساء الشاعرات حفصة بنت الحاج الركونية (ت580هـ)، "فريدة الزمان في الحسن والظرف والأدب، دخلت على عبد المؤمن وأنشدت:
أمنن عليّ بطـرس              يكون في  الدّهر عدّة
تخطّ بيمناك فيـه              الحمد للّه وحــده
ومن رقيق شعرها:
سلّوا البارق الخفّاق واللّيل ساكن          أظلّ بأحـبابي يـذكّرني وهنا
لعمري لقد أهدى لقلبي خفقــه            وأمطر عن منهل عارضة الجفنا
أما التاريخ والجغرافيا، فقد اتسع التأليف فيهما في هذا العهد، إلاّ أنه ما وصلنا قليل باعتبار ما أنجزه مفكرو العصر الموحدي، فمنهم من اهتم بالتاريخ للدولة ونشأتها مثل البيذق في كتابه" أخبار المهدي بن تومرت وابتداء الدولة الموحدية"، ومنهم من اهتم بتتبع ملوكها كعبد الواحد المراكشي في كتابه "المعجب"، ومن أقطاب المؤرخين نجد خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى الأنصاري بن بشكوال(ت578هـ)، "الحافظ، محدث الأندلس ومؤرخها ومسندها"، له من المؤلفات:" الغوامض والمبهمات" في اثنى عشر جزء، "الفوائد المنتخبة والحكايات المستغربة" في عشرين جزء، "المحاسن والفضائل في معرفة العلماء الأفاضل" في إحدى وعشرين جزء.
أما المصنفات الجغرافية فقليلة، وأهم من اشتهر في هذا المجال محمد بن محمد بن عبد الله المعروف بالشريف الإدريسي، المشهور بتأليف "نزهة المشتاق".
فضلا عن هذه المجالات الفكرية اهتم الموحدون بالعلوم الطبيعية والرياضية التي برز فيها عدد من رجال الحساب والطب والصيدلة من أمثال ابن رشد الحفيد الذي ألف التواليف الطبية في كتابه"الكليات" تكلم فيه عن التشريح ووظائف الأعضاء والأمراض وأعراضها وحفظ الصحة وغيرها.
ومنهم ابن البيطار ضياء الدين بن أحمد المالقي النباتي الطبيب، انتهت إليه معرفة الحشائش، له تصنيف "الأدوية المفردة".
ثمّ إن إنشغال الموحدين بإرساء دولة قوية لم يمنعهم من أن يشجعوا الحركة  الفكرية فحسب بل شجعوا العمارة والفن فبرزت معالم حضارة جديدة دلت على عظمة الموحدين الذين اعتمدوا على القوة والضخامة أكثر من اعتمادهم على نماذج الزخرفة، فاهتموا حينها بإنشاء المدن وتوسيعها وبنوا الموانئ والحصون والقناطير.



فقد أسس عبد المؤمن سنة 538هـ مدينة "تازا" التي شيدت بها آثار عظيمة كالمسجد الأعظم المحتفظ بثرياه الرائعة من عهد المرينيين كما اختط أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن مدينة الرباط ورسم حدودها.
من المساجد المشيدة نجد جامع" حسان" اختطه وشرع في بنائه المنصور إلاّ أنه لم يتمه بلغ عدد أبوابه ستّة عشر، وبنيت منارته بحيث تتوسط أحد جوانب المسجد الأربعة وهو تصميم لا يوجد في مسجد آخر بالمغرب.

كما اعتنوا ببناء المدارس وهكذا يمكن القول أن عصر الموحدين لم يكن عصر دعوة فقط بل كان عصر دين وفكر وعلم بلغت الحضارة فيه أوجها وأصبح الموحدون مضرب المثل في الأخذ بالعلوم وتشجيع طالبيها.

0 commentaires:

إرسال تعليق