الاثنين، 22 سبتمبر 2014

الخصائص الفنية للرسائل الديوانية من الفتح الى سقوط غرناطة ج4.د/سامية جباري


التنويع بين الشعر والنثر:
     مما يلفت النظر في النثر الأندلسي أن الكاتب الديواني كان غالبا ما يستعين بأبيات شعرية، ويضمنها في الرسائل الديوانية بدء بالعصور الأولى حيث التقليد، فكان الاستشهاد بأبيات لشعراء مشارقة، وبحلول القرن الخامس برزت معالم حضارة أدبية وفكرية في الأندلس مما جعلنا نسجل أسماء بارزة لأفذاذ الكتّاب والشعراء، فحرص حينها الأندلسيون تضمين رسائلهم الديوانية أبياتا شعرية لهم تضاهى الشعر المشرقي، "فكم من بديع رائع قد حظي به المنظوم دون المنثور"[1]، ثم أخذ التنويع بين الشعر والنثر صورا متفاوتة لما أضحت تحمله الرسائل الديوانية من أشكال سياسية وإدارية، ونسجل استعمالاته في أشكال هي:
     1-الشكل الأول: الاستشهاد بالشعر المشرقي كما ورد في رسالة إلى الخليفة الموحدي المنصور في تهنئة بالخلافة جاء فيها: " المتوسل بقديم الخدمة المتوصل بعميم النعمة، وكريم الحرمة، المنشد بلبان المسرة حين أطلع الزمان هذه الغرة:
أتته الخلافة منقادة            إلـيه تجـرّر أذيـالها
فلم تك تصلح إلاّ له         ولم يك يصلح إلاّ لها[2]
     وأهطعوا لها مهللين مكبرين إهطاع الناس لأعيادهم، وأما العبد فقد أخذ بحظه، حتى خاف أن يغلب السرور على قلبه ولحظه:
                     فلا تنكرن لها صرعة          فمن فرح النّفس ما يقتل[3]
     وهذه نعمة يقصر عنها النثر والنظم"[4]،     فقد استشهد الكاتب في هذه الرسالة ببيتين لأبي العتاهية، وقد مدح بهما الخليفة المهدي، ثم استشهد ببيت المتنبي.
     ومنها ما جاء في جواب المنصور للأدفونش في هيئة توقيع: "الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بأذنك والسلام على من اتبع الهدى" وأتبع الجواب:
     ولا كتب إلاّ المشرفية والقنا    ولارسل إلاّ الخميس العرمرم[5]..."[6].
2_ الشكل الثاني أن يستشهد الكاتب الديواني بشعره، مثل ما جاء في رسالة علي بن يوسف إلى عماله وجنده موبخا فقد ضمنها ابن أبي الخصال أبيات له: " أي بني اللئيمة وأعيار الهزيمة إلام يريعكم الناقد ويردكم الفارس الواحد:
          إلام يـريعكم النـّاقد               يردكم الفارس الواحد
          ألا هل أتاها على نأيها           بما فضحت قومها غامد
          تمنيتم مـائتي فـارس              ضئانا لها حالب قاعد[7]
     ومثله ما جاء به ابن عطية في رسالة إلى عبد المؤمن مبشرا بالفتح: ".. فلا تطيق الألسن كنه وصفه إدراكا ولاإلحاقا، جمع أشتاب الطب والأدب، وتقلب في النعم أكرم منقلب وملأ دلاء الأمل إلى عقد الكرب:
       فتح تفتح أبواب السّماء له         وبرزت الأرض في أثوابها القشب[8]
     وعلى المنوال نفسه جاءت رسالة ابن عياش إلى شيوخ الموحدين يخبرهم بالنصر في موقعه الجلاب: " ويوم كيوم ذي قار انتصف فيه الموحّدون والعرب من العجم، ولمن سار منهم في الزي والكلم وتمسك منهم لسبب:
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به              نظم من الشّعر أو نثر من الخطب.."[9]
     ومنها ما أورده عبد المؤمن بن علي في رسالة وجهها إلى الموحدين في المغرب يستنفرهم للجهاد في الأندلس، وقد ذيلها بقصيدة مطلعها:
     أقيموا إلى العلياء هوج الرواحل       وقودوا إلى الهيجاء جرد الصواهل
     وقوموا لنصر الدّين قومه ثائر          وشدّوا على الأعداء شدّ صائــل
     فما العز إلاّ ظهر أجرد سابح         يفوت الصبا في شدّه المتواصـل[10]
     3_أما الشكل الثالث فهو نادر الاستعمال حيث ترد الرسالة الديوانية قطعة شعرية، مثل ما جاء به ابن عميرة بعد انهيار سلطان الموحدين، إذ أن معظم الأندلسيين تركوهم وتوجهوا نحو الحفصين في تونس آملين منهم أن يعملوا على إنقاذها واسترجاعها، وقد جاءت قصيدة ابن عميرة دعوة يحث فيها الحفصين على الاستيلاء على المغرب كونه قاعدة الحكم الموحدي، شاكيا حال الأندلس:
     والمغرب الأقصى على غسق به      وافاه منك سنا الصباح المسفر
     كلّمته أنياب الزّمان وما شكـا داء ابن داية غير ظهر الأدبر
     والأمر فيه قد انقضى إلاّ لـقى        بكفيه منك تناول بالخنصـر
     ولأرض أندلس إليك بحالهـا          شكوى الهشيم إلى السّحاب الممطر[11]



.


.
.

.
.
.
.
.

0 commentaires:

إرسال تعليق