العلوم النقلية والعقلية:
كما اهتموا بالعلوم التطبيقية من رياضيات
وعلوم الطبيعة والفلسفة، غير أنّ هذا العلم الأخير لم يكن منتشرا في أوائل عصر بني
أمية وبقي في حدود الخاصة كالأمير عبد الرحمن بن الحكم الذي كان "عالما بعلوم
الشريعة والفلسفة".
ثمّ بدأ التفكير الفلسفي ينتشر بعد
احتكاك المغاربة أثناء رحلاتهم إلى المشرق بذوي الرأي الفلسفي وأصحاب الاعتزال،
وقد واجه" فقهاء الأندلس هذا المذهب باستنكار شديد"، حيث كانوا يتّهمون
كل من درس الفلسفة والمنطق بالزندقة بل حرّضوا عليه العامة وراحوا يحرقون كتب ابن
مسرة الذي كان مذهبه حلوليا، ومن الفلاسفة نجد: يحيى بن يحيى المعروف بابن
السمينة""كان بصيرا بالحساب والنجوم والطبّ والنحو واللّغة والفقه
والحديث".
أمّا في ميداني الرياضيات والطبيعيات، فقد
تأخّر اتساع النشاط العلمي فيهما، ولم تدخل الرياضيات الأندلس إلاّ على يد مسلمة
بن أحمد المجريطي، الذي يعدّ إمام عصره كان كثير الاهتمام وبزيج الخوارزمي حيث
حوّله من السنين الفارسية إلى السنين العربية ثمّ اختصره وأصلحه.
كما اهتمّ أهل المغرب والأندلس بالطبّ
وبالنباتات في عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن، ومن الأطباء المشهورين يحيى بن
اسحاق، وابن الجزّار القيرواني، من مؤلفاته "زاد المسافر وقوت الحاضر"
وله كتاب في المعدة وأمراضها ومدواتها.
وقد شاركت النساء والرجال في الحياة
الفكرية وهذا فيه دلالة على رقي المجتمع وحرية القول، حيث برزت نساء جليلات منهنّ
حسّانة التميمية، تأدّبت وتعلمت الشعر فلمّا مات أبوها كتبت إلى الحكم، وهي إذ ذلك
بكر لم تتزوج.
إني إليك أبا العاص موجـعة أبّا المخشى سقته الواكن الدثم
قد كنت أرتع في نعماه عاكفة فاليوم أوي إلى نعماك
يا حكم
فلّما وقف الحكم على شعرها استحسنه، وأمر
لها بإجراء مرتب، وكتب إلى عامله على إلبيرة فجهّزها بجهاز حسن.
ومنهنّ لبنى (ت374هـ) كاتبة الخليفة
المستنصر، كانت شاعرة عالمة بالعربية والأدب حاسبة منشئة.
وعائشة (ت400هـ) بنت أحمد أديبة شاعرة من
أهل قرطبة لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها فهما وعلما وأدبا وفصاحة
وشعرا.
وأهمّ ما نختم به الحديث في الإطار
الثقافي لبني أمية هو التطور العمراني، فقد اهتمّ عبد الرحمن بالإنشاء والتعمير
فشيّد الدور والقصور وبنى المسجد الجامع بقرطبة. وخلفه
ابنه هشام فكانت له يد في بناء قنطرة قرطبة، وقد ذكر ابن عذاري إنه
أنفق
في إصلاحها أموالا عظيمة وتولى بناءها بنفسه، كما أكمل بناء المسجد الذي شرع فيه
أبوه الداخل ورفع منارته القديمة.
وفي عهد عبد الرحمن بن الحكم خطت الأندلس
خطوة فعالة نحو التحول الحضاري، فأنشأ الناس القصور وأثّثوها بالأثاث الفاخر،
وأخذت قرطبة طريقها لتصبح "أجمل مدائن أوربا" وهو كما قال ابن عذاري: "أول من جرى على
سنن الخلفاء في الزينة والشكل وترتيب الخدمة وكسا الخلافة أبّهة الجلالة فشيّد
القصور وجلب إليها المياه.."
،
وحذا حذوه الناصر الذي "أسس الأسوس وغرس الغروس واتخذ المصانع والقصور"،
فكان أهمّ ما أنشأ مدينة الزهراء سنة 325هـ، جلب إليها الرخام من قرطاجة، وإفريقية
وتونس وزاد في مسجد قرطبة، أمّا في عهد المستنصر ظهرت صناعة النسخ، فنهضت صناعة
الورق، واشتهرت بلاد الأندلس بورقها الجيّد مثل بلنسية وطرطوشة
وشاطبة فتقدمت بذلك أدوات صناعة الكتابة.
وهكذا يكون بنو أمية قد وضعوا الأساس
الأول لحضارة امتدت سنوات، والتي برزت معالمها جليّة في العصور الموالية.
يتبع بالاحوال الثقافية في عصر ملوك الطوائف......