أما العلوم الشرعية، فقد كان لها حظها
بين ملوك الطوائف حيث بلغ مجاهد العامري "نفوذه في علوم القرآن"، وأثنى
عليه المراكشي بقوله:" كان مؤثرا للعلوم الشرعية مكرما لأهلها" وقد برز
جملة من الفقهاء وأئمة الحديث من أشهرهم:
أبو
عمرو الداني (ت444هـ)
كان
من " أهل الحفظ والذكاء واليقين، وكان ديّنا فاضلا ورعا سنيّا"، له تصانيف
كثيرة أهمها " التيسير في القراءات السبع" و"المقنع".
ومنهم أبو الوليد هشام بن أحمد المعروف
بابن الوقشي (ت489هـ) ، كان واسع العلم بعدد من فنون المعرفة بالحديث والفقه
والنحو والخطابة وغيرها.
وقد اشتهر كثير من القراء من المغرب
والأندلس كأبي الطاهر اسماعيل بن خلف الأنصاري (ت455هـ) من أهل سرقسطة، "كان
إماما في علم القراءات"، ومن أبرز المحدثين الفقيه المحدث الفيلسوف أبو محمد
بن حزم (ت456هـ)"كان كالبحر لا تكف غواربه ولا يروى شاربه".
إلى جانب الأدب والشعر والعلوم الدينية
نبعت جماعة من المفكرين على رأسهم ابن حزم العالم الفيلسوف الذي برع في المنطق
والفلسفة واللغة إضافة إلى علوم أخرى.
له
من المؤلفات والرسائل ما لم يمكن حصره، أهمّها "جمهرة أنساب العرب" يشمل
أصول القبائل العربية وأنسابها، "نقط العروس" ذكر فيه أهم الأحداث
التاريخية، "طوق الحمامة" فريد في نوعه وموضوعه.
أما العلوم الرياضية فقد برز فيها المؤتمن
بن هود الذي كان قائما عليها، وله فيها تواليف منها: كتاب "الاستكمال
والمناظر"
كما كان من طليعة الرياضيين والفلكيين،
الحسن بن محمد التجيبي (ت456هـ) وأبو القاسم أصبغ بن السمح(ت426هـ) الّذي كان
"محققا بعلم العدد والهندسة، مقدما في علم الهيئة والفلك وعلم النجوم وكانت
له مع ذلك عناية بالطب" له من المؤلفات" المدخل إلى الهندسة"
و"تفسير كتاب أقليدس".
كما حظي عصر الطوائف بكبار المؤرخين الذين
اهتموا بتدوين أحداث العصر، نجد في طليعتهم أبو مروان بن حيّان (469هـ) الذي كان
"سهما لا ينهى رميه"، له كتاب" المقتبس في أخبار أهل
الأندلس".
ومنهم تلميذه الحميدي أبو عبد الله محمد
بن أبي نصر فتوح (ت488هـ) ، وهو من "أهل العلم والفضل والتيقظ" ، له
تأليف "جذوة المقتبس" ترجم فيه لأعلام عصر الطوائف.
ومن مشاهير الأطباء نجد ابن وافد اللّخمي،
وقد ألف كتابا في الأدوية المفردة، جمع فيه بين كتابي "ديوسقوريدس"
و"جالينوس"، كان يرى أن التداوي بالغذاء مقدّم على التداوي بالدواء، إلى
جانب هؤلاء شاركت المرأة في الحياة الفكرية إبّان عصر الطوائف فظهرت ولاّدة بنت
المستكفي (ت484هـ) ، "كانت في نساء زمانها واحدة أقرانها حضور شاهد وحرازة
وابد وحسن مخبر وحلاوة مصدر"، كانت أديبة وشاعرة.
ومنهنّ أم الكرام بنت المعتصم بن صمادح
أديبة شاعرة، ممّا قالت:
يا
معشر النّاس ألا فاعجبوا ممّا
جنته لـوعة الحبّ
لولاه
لم ينزل ببدر الدجـى من أفقه
العلوي للترب
حسبي
بمن أهواه لو أنّـه فـارقني
تابعه قلـبي
ومنهن العبادية جارية المعتضد بن عباد،
كانت "أديبة ظريفة كاتبة شاعرة ذاكرة لكثير من اللّغات أهداها له مجاهد
العامري من دانية".
وبثينة بنت المعتمد بن عبّاد كانت شاعرة
مثل أبيها، من قولها:
اسمع
كلامي واستمع لمقالي فهي السلوك بدت من الأجياد
لا
تنكروا أنّني سبيت وأنّني بنت الملك من بني عبّــاد
وكان أهمّ مظهر للجاه والسلطان عند ملوك
الطوائف الاعتناء بإنشاء القصور، حيث كانت عندهم مضرب المثل، كقصر ابن ذي النون
الذي أنفق على بنائه أموالا ضخمة وجعل في وسطه بحيرة في وسطها قبّة من زجاج ملون
منقوش، وجلب إليها الماء فكان ينزل من أعلاها ويحيط بها من جوانبها.
وكان اعتناؤهم بإنشاء القصور مرتبطا
بالحدائق والبساتين، فأنشأوها محاطة بالأزهار النادرة والحدائق النضرة وجلبوا
إليها الخبراء في علم النبات كابن وافد الطبيب الذي أشرف على حدائق ابن ذي النون.
فنشطت بذلك العلوم الفلاحية في الأندلس وكثر
خبراء علم النبات الذين لم يخل قصر واحد من تواجدهم.
وهكذا يمكن القول أن عصر ملوك الطوائف
يمثل أبهى العصور في الحياة الفكرية، والتي يعود الفضل بها إلى تشجيعات الملوك
المادية والمعنوية، فأطلق عنان الفكر وتبحر العلماء في شتى الميادين العلمية حتى غدا
نتاج العصر قاعدة أساسية لحضارة المسلمين التي أثمرت في العصور الموالية.