الاقتباس
تعتبر الرسالة الديوانية نموذجا واضحا عن
الحياة السياسية والاجتماعية في المغرب والأندلس، لذا نجدها تحمل من الآيات
القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال العربية العدد الوافر.
وإذا نظرنا إلى ظاهرة
الاقتباس لاسيما من القرآن الكريم نجد الاستشهاد به في وقائع مختلفة ومواضع
متعددة، وذلك بأشكال متنوعة وأساليب مختلفة.
ومعنى الاقتباس "هو أن يضمن المتكلم
كلامه كلمة من آية أو من آيات كتاب الله تعالى خاصة"[1].
وهذا ما جعل للكاتب صفة تلازمه وهي حفظ
القرآن الكريم، "وملازمة درسه، وتدبر معانيه حتى لا يزال مصورا في فكره،
دائرا على لسانه، ممثلا في قلبه، ذاكرا له في كل ما يرد عليه من الوقائع التي
تحتاج إلى الاستشهاد به فيها"[2]،
والملاحظ على مجموع الوثائق الديوانية أن ظاهرة الاقتباس فيها أخذت أوجها منها:
فالوجه الأول أن ترد الآية جوابا عن رسالة،
وهذا النوع يرد غالبا في رسائل التوقيعات، كما جاء في رسالة جوابية من ابن زيري
الصنهاجي صاحب غرناطة إلى الخليفة المرتضى ردا عليه عندما دعاه إلى طاعته، فقلب
الكتاب ووقع على ظهره : (( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم
عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي
دين)) [3]
وقد كانت بينهما مراسلات فرد ابن زيري ثانية
على الخليفة المرتضي بقوله تعالى: (( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلاّ سوف
تعملون ثمّ كلاّ سوف تعملون كلاّ لو تعلمون علم اليقين لتروّن الجحيم ثمّ لترونه
عين اليقين…))[4]…"[5].
ومن ذلك قول يعقوب بن عبد المؤمن ردا على
الأذفونش في توقيع له: ((ارجع إليهم
فلنأتينهم بحنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)) [6]
والوجه الثاني أن ترد الآية بنصها
الكامل، مثل ما أورده الخليفة عبد الرحمن الناصر في البيان الذي أذاعه محذرا من
عقيدة ابن مسرة، مما جاء فيه:" … ولم يقبل من عباده غيره،
ولا رضي منهم سواه، فقال في محكم تنزيله: (( ومن يبتغ غير الإسلام دينّا فلن يقبل
منه…))[7]..
إذ عرفنا فضل ما هدانا إليه من الدين، وكرمنا به على سائر الأمم (( كنتم خير
أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)) [8].....
وكراهته لاختلافهم بعد رسول الله r: (( شرع لكم من الدّين ما وصى به نوحا، والّذي أوحينا إليك وما
وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه…)) [9].
فبريت منهم الذمة
بقوله تقدست أسماؤه: (( ألم تـر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنّى يصرفون
الذّين كذّبوا بالكتاب وبما أرسـلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعنـاقهم
والسلاسـل يسحبون في الحميم ثمّ في النار يسجرون..)) [10]…"[11].
وعلى هذا النحو جاءت رسالة ابن تومرت في
تحريضه لقتال المرابطين:"… فاجتهدوا في قتال الكفرة وأعوانهم، واطلبوا غرتهم بالليل والنهار،
(( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدّو الله وعدوكم)) [12]…"
منها ما أورده ابن الخطيب في رسالة عن الغني بالله
سلطان غرناطة:".. الذين كانوا كما أخبر الله تعالى عنهم على لسان الصادق
الأخبار(( رحماء بينهم أشدّاء على الكفار)) [13]…".
أما الوجه الثالث فهو تضمين الآية القرآنية
دون الإشارة إليها على أن تعرف من السياق، كما جاء في رسالة إلى أهل قرطبة عن زهير
العامري قائلا:" .. وأشد هذه العصابة ابن عباد، الذي سل سيف الفتنة والبغي من
قرابة، وآثار بعير الظلم من مبركة، وانتزى ببطنته شرا، ومشى في الأرض مرحا، وظن أن
يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا[14]…"[15].
ومنها ما جاء في رسالة يوسف بن تاشفين إلى
تميم بن المعز:"…
وحللنا دون أباطيلهم وأمانيهم وما ربك بغافل عما يعمل
الظالمون.. وأملي لهم إن كيدي متين[16]…"[17].
كما ضمن عبد المؤمن بن علي رسالته إلى ولد
بإشبيلية آيات من سورة الكهف جاء فيها:"… فسيذوق من العذاب الأدنى مرا، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا
نكرا، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا[18].."[19]
ومنها ما ورد في رسالة أبي يعقوب يوسف
الموحدي إلى شيخ الموحدين جاء فيها:"… وحزب الله يتقدم غالبا فيصرع، ويصدع، وقتل رجال الشقي ومشاهيره،
والروم أكثر القتلى فيهم، فخروا كأنهم أعجاز نخل خاوية[20].."[21]
من ذلك أيضا ما أصدره الخليفة المنصور
الموحدي ضد ابن رشد وتعليماته: "… ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون، ونشأ منهم في
هذه اللمحة البيضاء شياطين.. يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم
وما يشعرون[22]، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا[23]،
ولو شاء ربك ما فعلوه.." [24]
كذلك لم تخل رسائل سلاطين غرناطة من هذه
الظاهرة، من ذلك ما أورده ابن الخطيب في رسالته عن الغني بالله:".. وحلوا
بظاهر حصن أندوجر وقد أصبح مألف أدمار غير أوشاب، ووكيد طير نشاب، فلما بلونا
مرامه صعبا، وأبراجه ملئت حرسا شديدا وشهبا[25]…"[26].