هذه دراسة حول خصائص الرسائل الديوانية في المغرب والأندلس وسنعرضها خاصية خاصية في مواضيع متفرقة اولها:
البدء والعرض والختام: إن الدارس للرسائل الديوانية خلال فترة
الحكم الإسلامي بالأندلس سيجدها متنوعة الأساليب، متعددة المناهج لدرجة جعلتها
تنافس قرينتها في المشرق من ناحية الشكل والمضمون، وقد حصرنا القلقشندي على امتداد
فترة الحكم الإسلامي في الأندلس، فوجدها "سمات انفردوا بها عن كتاب المشرق،
والديار المصرية"[1].يمكن
أن نجملها في قوله:" أن المخاطبة تقع للمكتوب إليه بميم الجمع مع الانفراد،
كما تقع الكتابة عنه بميم الجمع مع الانفراد، ومنها أهم يلتزمون الدعاء بمعنى
الكتابة، عند قولهم –كتبنا-، بأن يقال: كتبنا إليكم كتب الله لكم كذا…" ومنها أنهم يترضون عن الخليفة القائمين بدعوته في كتبهم،
ومنها أنهم يذكرون اسم المكتوب إليه في أثناء الكتاب، وتختم بالسلام غالبا"[2].
وإذا حاولنا تطبيق ما قاله القلقشندي في
مختلف الرسائل الديوانية لهذه الفترة 92هـ/897هـ، نجد بعد الدراسة أن هذه السمات
لا تنطبق على مجمل الوثائق الديوانية المتوفرة لدينا، إذ أنه في أغلب الأحيان
يستدعي الموقف المخاطبة بأسلوب مغاير.
ففي قوله أن المخاطبة تقع للمكتوب إليه
بميم الجمع مع الانفراد، فهذا لا ينطبق على رسالة يوسف الفهري الموجهة إلى عبد
الرحمن الداخل، فقد خاطبه بالمفرد، وليس بميم الجمع، مما جاء فيها:" أما بعد،
فقد انتهى إلينا نزولك ساحل المنكب.. فإن كنت تريد المال وسعة الجناب فأنا أولى لك
ممن لجأت إليه، وكنفك وأصل رحمك وأنزلك معي إن أردت وبحيث تريد.." [3]
الصيغة نفسها اعتمدها عبد الرحمن الأوسط
في خطابه إلى إمبراطور بيزنطة ثيوفلس، جاء فيها:"… فقد بلغني كتابك تذكر فيه الذي كان عليه من مضى منكم لأولينا في
المودة الصادقة، وأنه قد دعاك ذلك إلى مكاتبتنا. وتسأل أن ينعقد فيما بيننا وبينك ما
حضضت عليه، ودعوت إليه.." [4]
وعلى المنوال نفسه وردت رسالة المتوكل
حاكم بطليوس إلى ملك قشتالة ألفونسو السادس جاءت فيها صيغة الافراد: "… علمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تتجرعه… شؤما تراه وتسمعه وإذا المآل تتورعه.. إلا السيوف تشهد بحدها رقاب
قدومك، وجلاد تبصره في ليلك ويومك.." [5]
ومنها أيضا عهد علي بن يوسف بتقليد ولده
تاشفين قرطبة وإضافتها إلى أعماله اعتمد فيه صيغة الافراد حيث جاء فيه: "… فإذا وقفت على كتابنا هذا، فانهض نفسك على بركة الله إلى هناك،
واجعل قرطبة دار سكناك وقراره مثواك، وعلى مقدار ما زدناك من العمل فازدد من
التيقظ، واستعن بالله في إعلانك وإسرارك، وخذ من أوقات ليلك لأوقات نهارك، واجعل
لنظرك حظا في سهرك، ولفكرك مستمنحا من تدبرك…"[6].
وفي
قوله تقع الكتابة عن المكتوب عنه بميم الجمع مع الانفراد، فإنها أيضا لا تنطبق على
كل الوثائق الرسمية، ونستشهد في ذلك رسالة الحكم الربضي حيث استعمل صيغة الإفراد
في التعبير عن نفسه:" فلما رأيت ذلك من غدرهم وعدوانهم، أمرت شد جدار المدينة
فشد الرجال والأسلحة، ثم أنهضت الأجناد خيلا ورجالا إلى من تداعى من الفسقة
بأرباضها.." [7]
ومنها رسالة المقتدر بن هود ورد خطابه عن
نفسه بصيغة الإفراد:"… وإن خفضت له جناح الذل أوطأ في جهد الجفاء وإن أقبلت عليه بناظر
الود أول من صفحة الإبداء، وإن استدينته شحط، وإن استرضيته سخط، وإن حكمته تشطط،
وإن أغضيت له تسلط، وأنا في ذلك كله أحاوله على أخلاقه وألبسة على إخلاقه، واستمع
بغير مستمع…"[8]
أما كونهم يلتزمون الدعاء بمعنى الكتابة
عند قولهم: كتبنا، بأن يقال: "كتبنا كتب الله لكم كذا…" فهذه الصيغة تنطبق على أغلب وثائق العصور الأخيرة بداية
بالمرابطين، ثم الموحدين وأخيرا بني نصر، أما العصر الأموي والطوائف فيندر وجود
الكتابة بمعنى الدعاء، وإنما وجدناها ترد بطريقة أخرى كأن يقال: بلغنا كتابكم[9]،
قرأنا كتابك[10]،
إن كتابي[11]،
ورد كتابي[12]،
وهي دليل أو إشارة على وصول الكتاب أو إصداره إلى المرسل إليه.
وقوله إنهم يترضون عن الخليفة القائمين
بدعوته في كتبهم، فهذه التسمية لا نكاد نلمسها إلا في كتب الموحدين الذين يترضون
عن خليفتهم المهدي محمد بن تومرت فقط، أما في الرسائل الديوانية الأخرى فإننا نجد
فيها إشارة إلى الخليفة ويكون ذلك بالثناء عليه، والدعاء له ومرة الاحتفاء
باصطفائه على العباد، نستشهد بما جاء في رسالة الناصر الأموي:"… واستعزم الله أمير المؤمنين ليلته، واستخاره عن رحمته في النهوض
إلى مدينة "ثانت مانكش" دار الكفرة، ومجمع النصرانية إلى أن استركن عدو
الله وضاقت الحيل عليهم ووثقوا بحصانته ليعلمهم أن كلمة الله في إظهار دينه ونصر
أوليائه وإعزاز خلفائه في مشارق الأرض ومغاربها ولو كره الكافرون.." [13]
فكان الثناء على الخليفة الناصر على أن الله نصره، وأعز به دينه.
وفي رسالة أخرى نلمح الاحتفاء بخليفة
المسلمين الحكم المستنصر، لما اتسم به من صفات الخلفاء، وسيره على نهج الراشدين
منهم، فنصر الدين وأعز كلمة المسلمين:
"… وجعلهم خلفاء على
عباده… والمهتدي بهديهم،
والمتحمل على سنتهم، والسائر بسيرتهم، والرافع لعلم مناقبهم، أمير المؤمنين بجميل
نظره فيما قلده الله من رعاية خلقه، فأعمل ذلك جهده، وصبر وكده حتى عاد الدين غضا
على حالة في عهدهم…"[14]
وكان الاحتفاء باصطفائه خليفة في موضع
آخر، مما ورد عنه:"… فإن أمير المؤمنين لم يزل منذ أن اصطفاه الله تعالى بخلافته
وارتضاه لحمل إمامته، وقلده أعباء بريته، ناظر لجميع المسلمين محاميا عنهم، مبتهلا
بأمورهم متعهدا لأحوالهم..[15]
.
أما بالنسبة للترضية عن الخليفة في العهد
الموحدي، فهي ترد بعد التحية البعدية، والصلاة على النبي محمد r ثم تكون الترضية على خليفتهم بن تومرت لا غير،
وهذه الميزة واردة في كتاب مجموع رسائل موحدية نأخذ عن سبيل المثال الرسالة
الخامسة عشر، حيث جاء فيها: ".. أما بعد فالحمد لله أهل التقوى والمغفرة وولي
الرحمة الشاملة والرأفة الواصلة.. والصلاة على محمد نبيه المبتعث الحجة الغراء
المنصرة والدعوة الظاهرة المظهرة والسنة الواضحة النيرة، وعلى آله الطيبين
الطاهرين وصحابته المختصة المؤثرة والرضا على الإمام المعصوم المهدي
المعلوم.." [16]،
وعلى هذا المنوال وردت مختلف الرسائل الموحدية.
وقوله أنهم يذكرون اسم المكتوب إليه في
أثناء الكتاب، فقد لاحظنا في الرسائل المتوفرة لدينا في هذه الدراسة أن ذكر اسم
المكتوب إليه يغيب في كثير من الرسائل، وهو يعتمد عادة في رسائل المقاليد[17]،
أو أن يكون المرسل إليه من ذوي الشأن والوجاهة، كما ورد في رسالة المعتمد بن عباد
إلى ألفونسو، فافتتح رسالته بقوله: " من الملك المنصور بفضل الله محمد بن المعتضد
بالله أبي عمرو بن عباد، إلى الطاغية الباغية أذفنش بن شانجة الذي لقب نفسه بملك
الملوك…"[18]
ومنها أيضا رسالة المرتضى الموحدي إلى
البابا أنوصان جاء فيها:" من عبد الله عمر أمير المؤمنين بن سيدنا الأمير أبي
إبراهيم بن أمير المؤمنين أيدهم الله تعالى بنصره وأمدهم بمعونته إلى مطاع ملوك
النصرانية ومعظّم عظماء الأمة الرومية، وقيم الملة المسيحية ووارث رياستها الدينية
البابا اينه سانش اش.." [19]
ومنها
رسالة الغني بالله سلطان غرناطة إلى ابن تفراجين[20]:"
من أيده الله تعالى بنصره، وأعلى أمره، وأظهره إلى ولينا في الله تعالى… أبي محمد بن عبد الله بن الشيخ الجليل.. المرحوم أبي العباس
تفراجين وصل الله تعالى له عزة تناسب شهرته وفضله…"[21]،
وفي كثير من الرسائل لا نجد اسم المرسل إليه أوالمرسل، فيعوض اسمها بفلان[22]
أهل فلانة[23].
أما الختام بالسلام فقد اشتركت فيه جميع
الرسائل الديوانية.
وعن أسلوب الكتابة يذكر القلقشندي في مقام
آخر أن المتقدمين اعتمدوا أساليب ثلاث، أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان[24]،
ثانيا أن تفتتح بلفظ أما بعد[25]،
كما تفتتح بلفظ كتابنا إليكم من موضع كذا[26]،
أما بالنسبة للمتأخرين، فتفتتح المكاتبة باللقب اللائق وهو على أضرب "المقام،
المقر، الإمارة"[27]،
والملاحظ أن القلقشندي في حصره للخصائص الفنية للرسالة الديوانية لاسيما في العرض
والبدء والختام، نجده لم يشر إلى البسملة والتصلية والعلامة السلطانية خاصة، والتي
كان لها شأن في مناصب الدولة الإسلامية، وقد قال عنها أبو الوليد بن الأحمر:"
هي شعار الدولة وصيغتها التي تدرج بها الأوامر السلطانية"[28].
وإذا استعرضنا كلام ابن الأحمر نجده يتحدث
عن العلامة السلطانية بإسهاب فيشير إلى أنها اتخذت شكلين اثنين على امتداد الفترة،
فمن الأمراء والملوك من اشتقها من اسمه السلطان محمد بن يوسف بن الأحمر، تلقب
بالغالب بالله، فكانت علامته" لا غالب إلا الله"، والسلطان يحي بن
السلطان ابن اسحاق بن محمد بن علي بن غانية اللمتوني الميورقي النازل بإفريقيا
تلقب بالواثق بالله فكتبت علامته "وثقت بالله"، وكذلك السلطان محمد بن
يوسف بن هود الجذامي مالك الأندلس تلقب بالمتوكل على الله فكتبت علامته
"توكلت على الله".
ومنهم
من يكتب علامته بخلاف اشتقاق لقبه كالسلطان بن تاشفين اللمتوني ملك المغرب كانت
علامته" صح ذلك بحول الله".
وكملوك
الموحدين من بني عبد المؤمن، كانت علامتهم في أول صكوكهم بعد البسملة" الحمد
لله وحده"، وأما ملوك بني الأحمر فقد اعتمدوا على العلامة" لا غالب إلا
الله" ثم كانت علامتهم" وكتب في التاريخ"، ثم انتقلوا عن ذلك
فكتبوا علامتهم "صح هذا"[29].
يتبع... الخاصية الثانية الاقتباس