مفهوم الأخلاق لغة واصطلاحا:
فالخلق لغة: "بالضم
وبضمتين السجية والطبع والمروءة والدين" ويضيف ابن منظور إلى هذا المعنى: "أن
حقيقته صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق
لصورته الظاهرة في أوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثّواب والعقاب
يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة" .
بينما
يحدده أبو البقاء أيوب الكفوي بقوله: "أن كل فعل وجد في فاعله مقدرا لا على
سهو وغفلة فهو الخلق".
كما
اهتم القرآن الكريم بالأخلاق ومكارمها، وذم مساوئها في آياته المتكررة، دلالة منه
على أهمية العنصر الأخلاقي في تأصيل العقيدة الصحيحة ولصياغة المجتمع المتميز.
وإذا
بحثنا عن لفظ الخلق في القرآن الكريم وجدناه في قوله تعالى: ]إن
هذا إلاّ خلق الأوّلين[
وقوله
أيضا: ]إنّك لعلى خلق عظيم[.
أمّا
في السنة النبوية، فقد تكرر الخلق فقد روي عن عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن
النبي r قالت:" كان خلقه القرآن" أي كان
متمسكا به وبآدابه وأوامره ونواهيه.
وجاء
غير حديث في التنويه بالأخلاق الحسنة في غير موضع كقوله r: "من أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق".
وقوله:
"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا"، و"إن
العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"، وأشهر الأحاديث في هذا الموضوع
قوله r:"بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
من
هنا يتبين لنا المعنى اللغوي للأخلاق بأنها الطبع والسجية والتدين، وقد اتفقت معظم
المعاجم في تحديد هذا المعنى.
وقد
حدّد مقداد يالجن في كتابه التربية الأخلاقية الإسلامية المفهوم اللغوي للخلق،
وأعطاه ثلاث دلالات وهي:
أن
يدّل على "الصفات الطبيعية في خلقة الإنسان الفطرية على هيئة مستقيمة
متناسقة، كما يدل على الصفات التي اكتسبت وأصبحت عادة في السلوك كعادة التدّين ومن
ثمّ تصبح وكأنها خلقت مع طبيعة أو تصبح طبيعة ثابتة، أخيرا أن للأخلاق جانبا نفسيا
باطنيا، وآخر سلوكيا ظاهـرا"
المعنى الاصطلاحي:
أمّا إذا حاولنا البحث عن المفهوم الإصطلاحي لكلمة الخلق، فإننا نجد أنفسنا إزاء
تعريفات عديدة يصعب حصرها، تبدأ من الاستفادة من المعنى اللغوي إلى معاني موغلة في
التجريد، فقد عرفه العلماء بأنه "ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال بسهولة من
غير تقدم فكر وروية وتكلّف، تغير الراسخ من صفات النّفس كغضب الحليم لا يكون خلقا،
وكذا الراسخ الذي يكون مبدأ للأفعال النفسية بعسر وتأمل كالبخيل إذا حاول الكرم
وكالكريم إذا قصد بإعطائه الشهرة، ثم الخلق ينقسم إلى فضيلة هي مبدأ لما هو كمال،
ورذيلة هي مبدأ لما هو نقصـان"
وعرّفت
في موضع آخر بأنها "تنظيم متكامل لسمات الشخصية أو للميول السلوكية تمكّن
الفرد من الاستجابة للعرف وآداب
السلوك".
ثانيا:مفهوم الأخلاق عند الفلاسفة:
وإذا
عرجنا على الفلاسفة لتحديد مفهوم الأخلاق وجدنا كل مدرسة فلسفية تخضع مفهوم الخلق
وتحدد خصائصه وفقا لفلسفتها الخاصة.
وقد
أبرز لنا بعض الباحثين من خلال دراستهم لمفهوم الأخلاق أهم المذاهب الفلسفية التي
تمخضت عن رؤى أصحابها واتجاهاتهم في الحياة، وقد حدّدت في أربعة مذاهب: المذهب
الروحي، والمذهب العقلي، ومذهب يجمع بينهما، ثم المذهب الواقعي.
فالمذهب الروحي
"هو الذي يشدّ ساحة الأخلاق من الأرض إلى السماء أو من عالم المادة إلى عالم
الأرواح".
وفي
هذا إشارة إلى منهاج المتصوفة خصوصا الذين يرتقون بالإنسان من حضيض المادة إلى
عالم الروح حيث السمو والطهارة وزكاة النفس يبتغون من ورائها السعادة الأبدية التي
لا تتحقق إلاّ بميزان تخلية النفس من الرذيلة، وتحليتها بالفضيلة.
ثم
المذهب العقلي وقد تبنى هذا الإتجاه من الفلاسفة المسلمين المعتزلة وابن
سينا، والفارابي وابن مسكويه وهؤلاء يتّفقون جميعهم في أن العقل
هو الضابط الأساسي للأخلاق، إذ به يمكن كبح العواطف والغرائز وعدم الانقياد للهوى
والرغبات، وبهذا يتحقق لدى الفرد الكمال الخلقي ما دام خاضعا لميزان العقل.
أما المذهب الثالث فقد تبناه أبو حامد
الغزالي الذي جمع بين المذهبين السابقين، فهو عندما
يعرف الخلق يقول:"الخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة
ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة
عقلاً وشرعاً سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت
الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيّئا ".
وفي
هذا دلالة أن الأخلاق قسمان، أخلاق حسنة وأخرى سيئة، وبذلك تكون الممارسات إفرازا
طبيعيا للأخلاق، والتي يعبر عنها في علم الأخلاق بالفضائل والرذائل.
أما
المذهب الرابع فيمثل الاتجاه المادي الطبيعي الواقعي، والذي يتفرع بدوره
إلى مذاهب أهمها:
مذهب الوضعية الاجتماعية
وقد تزعمه "دوركايم" و"ليفي بريل" وأصحاب هذا المذهب يخضعون
أخلاق الإنسان إلى واقعه الاجتماعي مرتبطا بزمانه ومكانه بعيدا عن المثالية وما
يجب أن يتميز به الإنسان من الأخلاق.
ومنها
مذهب الطبيعة الإنسانية الذي تزعمه"شفتسيوري"
و"ماتشيون" و"آدام سميث" و"جون روسكين" و"جون
جاك روسو" وأصحاب هذا المذهب يبنون الأخلاق على الطبيعة الإنسانية ويدّعون أن
الأساسيات الأخلاقية مغروسة في الطبيعة الإنسانية، ومن ثمّ يسمى علم الأخلاق علم
السجايا الإنسانية".
وهناك
من عرّف الأخلاق بأنها "علم الخير والشّر على أساس أن أهمّ ما يستفاد منه هو
تحـديد معنى كلّ من الخير والشر والتفرقة بينهما.
وثمة
تعريف آخر للأخلاق بأنها القواعد التي ينبغي أن يسير عليها الإنسان لبلوغ كامل
إنسانيته في ضوء مثل أعلى يصبو إليه، ومعنى ذلك أن علم الأخلاق "علم معياري
لا يبحث في حياة الإنسان الواقعية ويصف ماهو كائن بالعقل بل هو علم يصف ما ينبغي
أن يكون".
يتبع..... مفهوم الاخلاق في الاسلام
بورك فيكم استاذة على هذا الطرح الراقي