الأحد، 26 أكتوبر 2014

الحب المستحيل؟؟ د/سامية جباري

لمّا بدا له انّه لايحبها .. رحل باسما ونسي ان يودعها
نثر اكليل الورد على عتبة قبرها ...وتمتم غاضبا لا أحبّها لا أحبّها؟؟
عقد حاجبيه وقال :الا ايّها الهوى عني انجلي؟؟
اعذريني واحزمي امتعتك وارحلي...
فانا لم اعد لك اميل ومن هواك أعدّ مستقيل..؟؟
أغلق نافذتها وصدّ بابها ورمى بمفتاح وصالها هناك بعيد..
قال لها البسي وشاحك الأسود فلم أعد بك مغرم
وانسجي على صفحاتك نقوش ذكريات قتيل ..
وذري دمعك هطالا أنا بك ابتليت.. و لست لفقدك عليل..
واستفيقي من غياهب ظنونك فأنا دونك مرتاح البال في نعيم..
ضعي الخضاب وتشبّهي بالعامرية ذات الحزن العميق..
واكحلي الطرف لفرط نوى ..فانا لم اعد اهوى التمثيل..
أمطرت سماءه صرخات :ارحلي، ابتعدي، يذيقها غصبا عذاب الكليم
يرميها بسوط الهجر لعلها من الجنون تستفيق..
اكتفت بمشاهدة عواصفه ولمس ضرباته في ذاك الليل البئيس..
نظرت اليه تتتبع خطاه والصمت بين الجنبات يخترق القلب الجريئ.
دوّت منها صرخة بكماء تستغرب هل عاشت الحقيقة ام التمثيل؟؟
ونقشت على حافة الطريق بئس زمن أضحى الحب فيه مستحيل..
د/سامية جباري

الخميس، 23 أكتوبر 2014

فلتعلم؟؟؟ د/سامية جباري


فلتعلم؟؟؟؟
لا تثنيني الأسفار عن بلوغ مرام...
طول المسافات في نظري بضع أمتار.
أهوى النزول عند رغبتي اولا وثان
وإن كانت في عطارد بعيدة المنال..
أنافس الريح أمدّ حبل وصالي..
وأزمجر عاليا فانا اقهر الخذلان..
أتمرد على قيد العناء وارم به
لأنال نشوة جرأتي كمغامر فنّان..
د/سامية جباري

سحر البعاد.د/سامية جباري


سحر البعاد...
هبّت ريح الصبابة تنهش وجداني..
وتحفر ثنايا الكهوف في شرياني..
أميل مع الهوى يجذبني تحناني..
لأنقش على وجه الماء صورة إنسان..
وألوّح بناظري في السماء فأرى السحاب بركاني..
الشمس تهمس لي تعلّمني الأشياء وأبعاد الألوان..
دع المفردات تغني على أوتار القضبان..
فالحرف يجود بالاسم واللقب والمكان..
والجملة في البوح سرّ التقديم والتأخير هو في حسباني
إن أنت أدركت فأنا لازلت أبحث عن الصفة والحال والتمييز في بيان
إعجاز هو قدرك يستوقفك بعلامات اعجاب واستفهام؟؟؟
وسأرسم بظرف الزمان والمكان أنبل قصة دونما نسيان
حتى الفعل هو ثلاثة أزمان لا انت تذكّرت ماضيه ...
ولا صغت مضارعه ...ولا أمرك حاز بمعان..
قواميس اللغة تجردت من أفعال وأقوال وأشواق..
زمجري يا أخيلتي وصوري ودكّي العتاب في سياق الكلام
واخبريهم سمائي لاتمطر وردا بل حجارة ودخّان..
إذا الصفو لاح في نسائمي فمن فيض شوق وأحلام
فليخشوا أروقتي إذا طاف بها فتيل نيران..
فأنا أميّز بينهما فأختار أرقّها لأمدّك من تحناني..
صبر أسكبه على جمر النوى فأحيا بقلبين
أحدهما يعذّب والثاني يأبى إلاّ التمرد دون عصيان..
يختال بين الأقاح يشمّ عطرها..
وينسج من ورودها فراشا بحثا عن عنواني..
بالمسك أرشّني..والعطر الزكّي جوادي..
والياسمين في روضتي يغني ندرته بالبياض..
وأختم هلاّ أدركت بطول نوى لذّة البعاد..؟؟؟
فاسقني كأسا منها مخضّبة أرشفها فأنساني؟؟
د/سامية جباري

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

تغريدة بليل..؟ د/سامية جباري

غادرني ربع ساعة معتذرا قال: لا تيأسي سأعود فأنا لن أكابر....
غادر وهو لا يدري ان شمس البوح تغازل النجوم في غيابه..
غادر وهو لا يلمح كلثوم الغروب محمّرا من فرط الوجد بعذابه..
غادر يقول: ملمحك صورتك رسمك في حناياي تغرّد.. 
بسمتك نظرتك همساتك في وجداني تغمغم..
طال انتظاري فهمس القمر مزمجرا :
أين الوصل بزماني أرقب منه الهواء العليل..؟؟
أين الناي يعزف أغانيه بالليل والمواويل..؟؟
أين فنجان الهمس يرشف الشهد من شفاههما دواوين؟؟
رحت أبحث عنه ،فقلّبت صفحات الأنس خلتها عينا سلسبيل..
تفوح عطرا ومن اكليله رسمت لسؤالي الف طريق؟؟
سألت الجبال عن رسمه ...؟؟ وسألت الرمال عن اسمه ..؟؟،وسألت البحار عن وصله ..؟؟
لم يجبني احد..؟؟؟؟
صعدت السماء فنقشت على سحبها بلوعتي قلبه ...
وسبحت في امواج البحار اكتب بدمي حرفه ....
وطفت الصحراء أبغي الرمال احاكيها بجرأتي قربه..
بكت الرمال من فرط الوجد فما ابتلت ،وتأسفت الجبال من زوال دفء فما انهارت ،وتألمت السماء من قسوة حوار فما أمطرت.؟؟
تناغمت الأشجان في وجد رمل ودفء جبل وألم سماء وقالت جميعها :
أعذريه عساه يقف بالطلل..فيمحو الأثر..ويلوّح بقصيد الهيام شوقه لم يندثر..
سيأتيك باسما هائما متأملا يقص معك الصور والعبر ويرسم بك أنبل الشعر والكلم العطر ..
دعيه مادمت في قلبه زمردة أو الدرّ من الشجر..
بل انت في المخيلة جمانة وطيفك بريقه يلوح في الافق ..
يراك في المأكل والملبس بل في وجه المرآة وعطرك يتنفس..
تبسمت هنيهة وقلت العذر كل العذر معك لا لوم لعاشق قلبه من البعد تمزق..

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

الحياة الاجتماعية في الاندلس ج 4 عصر الموحدين. د/سامية جباري

قامت الدولة الموحدية رافعة شعار مؤسسها المهدي بن تومرت في ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الوسيلة التي اتخذها لتحقيق مطمحه السياسي، فاتخذ لنفسه لقب المهدي المنتظر الذي "يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا".
        لذلك حرص خلفاء الموحدين على تغيير المنكرات، واتخذوا من إمامهم بن تومرت قدوة في ذلك حيث حصر لنا البيذق في كتابه عن المهدي بن تومرت مواقف عديدة في تغيير المنكر، منها ما حدث عند دخوله تلمسان، فقد وجد عروسا تزف لبعلها وهي راكبة على سرج واللهو والمنكر أمامها، فكسر الدفوف وغيّر المنكر وأنزلها عن السرج.
        وكان كثيرا ما يذكّر أصحابه بالحدود حتى لا يدرأوها، من رسائله في ذلك:
"اجتنبوا المحارم، وردّوا المظالم وتصالحوا وتغافروا فيما بينكم يغفر الله لكم، وأصلحوا ذات بينكم، ولا تفسدوا في الأرض، ولا تبذروا ولا تسرفوا، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل".
        وقد  حذا حذوه خلفاء الموحدين، حيث" أخذوا على عاتقهم أن يقمعوا بشدّة كل وال أو مسؤول يبدو عليه التعنّت والانحراف والزيغ، ولو كان هذا الوالي أقرب الناس إليهم" مثلما فعل عبد المؤمن بن علي عندما عهد إلى أكبر أولاده محمد وبايعه النّاس، فسرعان ما خلعه لما ظهر منه من أمور لا يصلح معها للملكة، "من إدمان شرب الخمر، واختلال الرأي وكثرة الطيش وجبن النفس".
كما تتبّعوا الخمر وشاربيه، حيث بعث المنصور إلى الطلبة والموحدين والأشياخ والأعيان والكافة بإشبيلية منشورا يأمرهم من خلاله بإراقة المسكرات وتحريم بيعها وتحويل الحانات إلى حوانيت لبيع الأشياء المباحة، ممّا جاء فيه:
        " ما أسكر كثيره فملء الكفّ منه حرام.. فاقطعوه جملة وتفصيلا، ولا توجدوا أحدا إلى بيعه سبيلا.. واخلوا الحوانيت التي يباع فيها منه وأفقروها..".
        وإلى جانب الشدّة التي تمتع بها خلفاء الموحدين نجد طريقتهم في "الإحسان إلى الفقراء والعطف على المرضى والعجزة تتخذ طابعا إنسانيا رائعا".
        فقد شهد السكان في عهدهم رخاء عظيما خصوصا في أيّام الخلفاء الكبار، فقد كان أبو يعقوب سخيّا جوّادا، "استغنى الناس في أيامه وكثرت في أيديهم الأموال"، كما كانت أيام ابنه المنصور "أيام سعة وأمن ورخاء ورفاهية وبهجة".
        أمّا فيما يخص مداخيل الدولة فقد اعتمدت على "الزكوات التي يؤديها المسلمون عن طواعيه، وكذا على الجبايات والخراجات، والأعشار على الغنائم  والجزية والمصادرات".
        وإذا نظرنا في هيكل المجتمع الموحدي نجد ابن تومرت يعتمد على نظام الطبقات التي اختلفت المصادر في تصنيفها، وأفضل ما يعتمد عليه رواية ابن القطان الذي صنّف الطبقات إلى: العشرة أو أهل الجماعة، وهم أول من بايع ابن تومرت من السابقين، ثمّ أهل الخمسين وأهل السبعين، الطلبة، وهم علماء الموحدين، الحفّاظ وهم صغار الطلبة، أهل الدار وهم رجال يخدمون المهدي في داره من أصحابه يختصون به في ليله ونهاره، هرغة وهي قبيلة ابن تومرت، أهل تينملل، جديوة، جنفيسة، هنتانة، أهل القبائل، الجند، والفرات وهم الأحداث الصغار الأميون(أو الغزاة) لكل صنف رتبة لا يتعدّاها إلى غيرها، لكن هذا التصنيف سرعان ما غيّره عبد المؤمن لخروج بعض القبائل عليه، فاعتمد على طبقات ثلاثة:
 الطبقة الأولى وهو السابقون الذين بايعوا المهدي وصاحبوه وغزوا معه وصلّوا خلفه، والذين اشتركوا في معركة البحيرة سنة 524هـ، والطبقة الثانية تشمل الذين التحقوا به بعد معركة البحيرة إلى غاية فتح وهران سنة 540هـ ثمّ الطبقة الثالثة تمثّل كلّ من التحق بهم بعد فتح وهران. وخصّ أعضاء الأسرة المالكة من أبناء عبد المؤمن أنفسهم بلقب السيّد.
        كما برز في عهده عنصر الأشياخ الذين تمتعوا بنفوذ واسع كهيئة استشارية، ثمّ زاد نفوذهم "وقوي مع وفاة الناصر حيث أصبحت تولية الخلفاء بيد الأشياخ".
        كما اجتمع لعبد المؤمن من عساكر الموحدين والمرتزقة ومن قبائل العرب والبربر وزناتة أزيد من ثلاثمائة ألف فارس ومن جيوش المتطوعة ثمانون ألف فارس ومائة ألف راجل.
وكثر عددهم في عهد الناصر، حيث زحفت جيوش المسلمين من العرب إلى أرض المغرب أواخر المائة السادسة، دخلوا إليه غزاة مجاهدين على ظهور خيولهم، فاندمجت الجيوش العربية بالبربرية لتشكل جبهة واحدة مجاهدة لنشر الدعوة الموحدية.
        إضافة إلى هذه العناصر نجد الغزّ الأتراك الذين كانوا غالبا ما يحتلون المقدمة في الجيش، وقد بالغ المنصور في إكرامهم، كما انضاف إلى هؤلاء في عهد المأمون "الروم وكان عددهم يبلغ اثني عشر ألف مقاتل".
        أما اليهود فقد ألزمهم الموحدون بلباس خاص، حيث كانوا يرتدون زمن المنصور ثيابا كحلية وطاقيات كبيرة ثمّ تغيّر هذا الزي في أيام الناصر إلى ملابس صفراء وعمائم من نفس اللون.
        إذ كان الفقهاء قد نعموا بنفوذ واسع عهد المرابطين، فإنهم في الدولة الموحدية لم تكن لهم السلطة إلاّ أن يمنع الموحدين من استشارة القضاة في مختلف شؤون الدولة، مثلما فعل المأمون حيث استفتى القاضي المكيدي في قتل من نكثوا بيعته، ومنهم شيوخ الموحدين المستشارون، "فأفتاه بقتلهم حتى بلغ عددهم أربعة عشر ألفا علّقت رؤوسهم بأسوار مراكش".
        وكان القضاة يختصون بتنفيذ أحكام الدين على سائر الرعية" من ذلك إقامة الحدود وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
        أمّا المرأة فقد أنكر المهدي سفورها، وقد كانت له حوادث كثيرة في ردعها، مثال ذلك ما ذكره البيذق أنه لمّا رحل المهدي من تلمسان نظر في طريقه إلى النساء مزينات محليات يبعن اللبن فغطى حتى جازهن، وقال كيف تترك النساء محليات مزينات كأنهن قد زففن إلى بعولتهن أما تتقون الله في تغيير المنكر.
        ومواقفه هذه جعلت من المرأة الموحدية أكثر احتشاما وأقل ظهورا وأكثر تقديرا واحتراما يظهر ذلك جليا في رسالة عبد المؤمن سنة 543هـ، التي ينكر فيها بيع النساء ممّا جاء فيها:
"..يبتاع المرأة ويبيعها دون استبراء ويبعث في ذلك بكل إقدام على الله تعالى واجتراء ولا يتحفظ من مواقعه الزنا المحض ومخالفة الواجب من الفرض"

        هذه الظروف لم تمنع المرأة من المشاركة في الحياة الاجتماعية فقد برزت نساء جليلات في ميدان الفكر والأدب، أبرزهن: زينب بنت يوسف بن عبد المؤمن، درست علم الأصول على يد أبي عبد الله بن إبراهيم، وكانت عالمة صائبة الرأي، فاضلة، ومنهن: حفصة بنت الحاج الركونية، والتي مدحت الخليفة عبد المؤمن ثمّ قامت بتدريس النساء في قصر الخليفة المنصور الموحدي، ومنهن أم خيرون الفاسية التي اقترحت عليه تأليف كتاب في مذهب الأشاعرة فألف العقيدة البرهانية.
يتبع بعصر بني الاحمر......

الجمعة، 10 أكتوبر 2014

الحياة الاجتماعية في الاندلس ج3 -عصر المرابطين- د/سامية جباري

وبزوال ملوك الطوائف أصبح المغرب والأندلس يشكلان في عهد المرابطين مملكة واحدة تشابهت فيهما ظروفهما الاجتماعية والسياسية، فقد عرف المغرب منذ ولاية يوسف بن تاشفين "الاستقرار والأمن والرخاء بعد الفتن المضطرمة التي لبثت قبل الفتح المرابطي زهاء نصف قرن".
        كما كان للأندلسيين أيضا حظهم في التمتع بالأمن والاستقرار تحت ظل حكم المرابطين، بعدما قضى يوسف بن تاشفين على ملوك الطوائف الذين استباحوا أملاك الرعية، إلاّ أن ذلك لم يمنع يوسف بن تاشفين من أن يتخذ "سياسة الحذر نحو النصارى المحاربين وحماية مصالح المعاهدين، بالإضافة إلى الدفاع عن الأراضي الإسلامية".ممّا ساعده على "صهر قبائل المغرب الأقصى في بوتقة واحدة" فاستحق لقب الزعامة والبطولة.
        يعد يوسف بن تاشفين، أوّل ملك بربري حكم المغرب "وكوّن جيشا قويا تمثلت فيه جميع القبائل المغربية بصفة عامة"، فكانوا أقرب في طباعهم إلى البداوة والجفاء.
ولمّا كان الفتح المرابطي للأندلس لم يكن من السهل أن ينصهر هؤلاء البربر مع الأندلسيين الذين عاشوا تحت " وطأة الحكم المرابطي بجفاء أساليبه وخشونة حكامه الجدد من زعماء البربر".
        إلاّ أنهم وجدوه منقذا لهم من أنواع الظلم والاضطهاد وإثقال كاهلهم بالضرائب، إذ نجذ المرابطين في بدء عهدهم التزموا أحكام الشرع وأبرز مظهر لذلك موقف يوسف بن تاشفين من الضرائب والمغارم، "فلم يفرضوا إلاّ ما جاء في الكتاب والسنّة ولم يجوروا على الناس ولم يلزموهم بضرائب خارجة عن الزكوات والأعشار وجزيات أهل الذمّة وأخماس الغنائم".
        وإذا رجعنا إلى المصادر نجد أن معظمها أثنت على أخلاق يوسف بن تاشفين وابنه عليّ، فيذكر صاحب الحلل الموشية أن "يوسف كان رجلا فاضلا خيّرا.. كثير الخوف من الله" كما كان وليّ عهده عل أخلاق الصالحين، فقال عنه أنه " عظيم البرّ جزيل الصلة".
        ونحن نلمس في رسائلهم حرصهم الشديد على تطبيق مبادئ الشريعة السمحاء من تقوى الله وإقامة العدل والبر بالرعية
        فهذا يوسف بن تاشفين في عهده لابنه عليّ يذكّره بجملة من الوصايا ويدعوه إلى تطبيق الشريعة وتحري العدل ممّا جاء فيها:
" وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسنة في أحد عصى أو أطاع، ولا ينام به عن حماية من أسهره الحيف والخوف والاضطجاع".
        كما وجّه عليّ بن يوسف سنة 510هـ إلى أبي محمد بن فاطمة كتابا يحضه فيه على إقامة الحق وهو من إنشاء ابن الجدّ، ممّا جاء فيه:
".. وقد رأينا والله وليّ التوفيق الهادي إلى سواء الطريق أن نجدد عهدنا إلى عمالنا بالتزام الحق وإيثار أسباب الترف فاتخّذ الحق إمامك وملّك يده زمامك، وأجر عليه القويّ والضعيف أحكامه"
        ولمّا انضافت ولاية قرطبة إلى تاشفين كتب له بذلك ابن أبي الخصال عن أبيه:
".. وأوّل ما نوصيك به تقوى الله، فاجعلها بردة شعارك وعقدة إضمارك وعهدة إيرادك وإصدارك ثمّ اعتمد المعدلة في عباد الله".
        لقد اعتمد المرابطون كثيرا على عناصر الجيش وبخاصة أن حركتهم الجهادية تتطلب جندا وحرسا وقائمين على شؤون الدولة، فجنّد الأجناد وأخذ في جمع الجيوش فاشتملت الدولة المرابطية على أجناس مختلفة حيث اشترى يوسف بن تاشفين جملة من
عبيـد السودان سنة 464هـ، كما بعث إلى الأندلس فاشترى منها جملة من العلـوج(الصقالبة)، "وانتهى عنده مائتان وخمسون فارسا ومن العبيد-الزنوج والأفارقة-نحو ألفين فغلظ حجّابه وعظم ملكه".
        كما شارك في جيش المرابطين فرقة من "الغزّ الأتراك، بالإضافة إلى قبائل صنهاجة على اختلافها والمصامدة وجزولة وزناتة" ، وكان من سكان المغرب والأندلس إضافة إلى عناصر الجيش من مرتزقة ومتطوعة وصقالبة وغزّ أتراك نجد أقلية من العرب والبربر إلى جانبهم النصارى المعاهدون الذين عاشوا تحت ظل الحكومة الإسلامية يتمتّعون برعايتها، ولم يشعروا بالولاء لها بل كانوا يشكلون خطرا داخليا على الأندلس خاصة منذ سقوط طليطلة، لذلك نجدهم سرعان" ما أرسلوا إلى فردلند سفرا يشمل على اثنى عشر ألفا من أسماء أنجاد مقاتليهم" يظهرون له ولاءهم وأنهم على أهبة الاستعداد للدفاع ضد المرابطين، فانكشف أمرهم وكانت نهايتهم بفتوى تغريبهم.
        ويعتبر عليّ بن يوسف "أوّل من استعمل الروم بالمغرب وأركبهم وقدّمهم على جباية المغارم".
        لقد استمدت الحركة المرابطية أسس دعوتها من العقيدة الإسلامية حيث تربى القادة الأوائل في رباط عبد الله بن ياسين فتشبعوا بالمبادئ والأخلاق، ومن هنا كان المبدأ الديني هو القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها الدولة في سياستها، ممّا سمح للعلماء والفقهاء والمشتغلين بأمور الدين أن يحتلوا مكانة مرموقة.
        فهذا يوسف بن تاشفين "يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم" وكان يفضّل الفقهاء ويعظم العلماء، "ويصرف الأمور إليهم ويأخذ فيها برأيهم ويقضي على نفسه بفتياهم".
        وقد ذكر المراكشي في المعجب أن عليّ " لا يقطع أمرا في صغيرة أو كبيرة حتى يشهد أربعة من الفقهاء، فعظم شأنهم وزادت رفعتهم فبلغ الفقهاء في أيامه مبلغا عظيما".
        وهذا النفوذ الذي كان يتمتع به العلماء والفقهاء في الأندلس ومشاركتهم في شؤون الحكم "امتدّ إلى مراكش"، ولم يكن الترحيب قاصرا على فقهاء المغرب فقط بل حتى علماء الأندلس الذين توجّهوا إلى عاصمة المرابطين لينعموا برعايتهم، "فانقطع إلى أمير المسلمين من الجزيرة من أهل كلّ علم فحوله، حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم"
        أمّا المرأة المرابطية فقد كان لها دور عظيم في المجتمع المرابطي وتمتعت بنفوذ واسع بدء بزينب النفزاوية زوجة يوسف بن تاشفين، والتي كانت ترفض كل من كان يتقدم إلى خطبتها من الأشياخ والأمراء، وتجيبهم بقولها " لا يتزوجني إلاّ من يحكم المغرب كله"، ولما أصبحت زوجة يوسف بن تاشفين لم يخالفها قط، وكان يقول لها:" لا خالفتك في أمر تشيرين به أبدا" وهي التي أشارت عليه حينها بخطة جعلته يملك المغرب كله، وتحققت نبوءتها.
        كما تمتعت المرأة المرابطية بقسط وافر من الحرية، حيث كانت تختلط بالرجال في الأماكن العامة، والمناسبات المختلفة، ولا تلتثم، وقد ظلت على هذه الحال حتى جاء المهدي فأنكر عليهن سفورهن.
        وأبرز مظهر لسيطرة المرأة على الحياة السياسية هو تلقب كبار القادة بأسماء أمهاتهن كابن فاطمة وابن عائشة وابني غانية، واعتبر المراكشي هذا الدور البارز للمرأة سببا من أسباب سقوط دولة المرابطين، حيث قال:" واستولى النساء على الأحوال وأسندت إليهن الأمور وصارت كلّ امرأة من أكابر لمتونة ومسوفة مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور"
يتبع... عصر الموحدين

قال وقلت..د/سامية جباري

قال وقلت...
قال لا تسافري.. وحطي رحالك في شعابي..
قال لا تكتبي..وضعي قلمك في محرابي..
قال لا تتكلمي.. والجمي عباراتك في ديواني..
قال لا تلتقيني.. وازرعي بعادك في بستاني..
قال...اصمتي؟؟؟؟؟ فالكلم منك يستهويني..
قال...انكسري؟؟؟؟؟ فالقوة منك تحتويني..
قال...تمردي؟؟؟؟؟ فعنفوانك يغريني...
قلت:
سفري في شعابك سياحة...
والكتابة في محرابك سباحة..
ولقائي بك في بستانك راحة..
الكلم عنوان قصيدي
والانكسار لايعرف طريقي..
والتمرد في حياضك وريدي
فان رضيت كنت لي امتع واحة..
وان تخليت كنت لغيرك ملاذ راحة
وحينها سانثر على عتبة بابك الرثاء زهرا اقاحا..
جدت بما عندك وجدت بما عندي وكلانا في الهوى يرى كلامه صحاحا..
د\سامية جباري

الخميس، 9 أكتوبر 2014

الحياة الاجتماعية في الاندلس ج2 -عصر ملوك الطوائف- د/سامية جباري.

لقد كان لانقسام الأندلس في عهد ملوك الطوائف آثاره السلبية في سياسته الداخلية، إذ هو عصر تفكك وانحلال سياسي، اتّسم باضطراب الحياة الاجتماعية نتيجة الفتن الداخلية، والمنازعات بين أمراء الطوائف بالإضافة إلى الحروب المتوالية على الرعية، والتي "عانت كثيرا من ضروب الاضطهاد والظلم" من جراء فرض الضرائب الباهظة ليسدوا بها ثغرات ثلاثة:
الضريبة الأولى تسد بها ثغرة الجزية التي تدفع للنصارى، ومقدارها خاضع للمساومة، حيث نجدهم لايتأخرون عن دفعها خوفا من بطش العدو، يقول في ذلك المقري:
" لاذوا بالجزي للطاغية أن يظاهر عليهم أو يبتزهم ملكهم".
والضريبة الثانية هي المفروضة على الجند، وترتفع كلّما كانت الحروب والفتن دائرة بين الأمراء أنفسهم.
 والثالثة هي التي يوفّرها الأمراء وينفقونها في بناء القصور واقتناء فاخر الثياب والأثاث لاسيما وأن مصادر الأموال لملوك الطوائف قليلة نظرا لضيق الأرض التي كانوا ملوكا عليها، فعمدوا إلى إثقال كاهل رعاياهم بهذه الضرائب حتى يتمكنوا من الإنفاق على وجوه ترفهم من بناء القصور واقتناء الجواري الحسان.
        فمنهم من كانت "أيّامهم أعيادا ومواسيم كبني المظفّر"، وبني ذي النور الذين "بلغوا في البذخ والترف إلى الغاية"، ومثال ذلك ما أورده ابن بسّام في الذخيرة عن إسراف المأمون بن ذي النون في مدعاة إعذار حفيده يحيى، صوّر هذه المؤدبة بقوله:
" فحشد أمراء البلاد وجملة الوزراء والقواد فأقبلوا كالقطا القارب إرسالا وقد رسم لخدمته في توسيع مشارب هذا الإعذار، وإرغاد موائده وتكميل وظائفه وإذكاء مطابخه رسوما انتهوا إليها إلى حدّه وشقق عليها جيوب أكباسه وانفقت على مجامره، ومحامره جمل من الأموال الجسام"
        دون أن ننسى أن جزء من هذه الأموال كان يتخذ شكل الهدايا أو الإتاوات وخاصة التي كان يستعملها الأمراء لضرب بعضهم البعض، مثال ذلك التحالف الذي عقده المعتمد بن عبّاد مع ملك قشتالة ألفونسو السادسALFONSO VI لافتتاح غرناطة، "فدفع له مقابل الحلف خمسين ألف دينار"، ومقتضاه أن تكون المدينة للمعتمد وتكون ذخائر القلعة الحمراء لألفونسو، أما ابن هود فقد أرسل للطاغية، وبعث إليه بأموال جمّة وهدايا نظير خروجه إلى بلد ذي النون".
        وقد كان لثقل الضرائب على الرعية ولسقوط المدن في الحروب الداخلية ثمّ الهروب من الظلم أن بدأت في الأندلس رحلات منها إلى المغرب. فاستقبل بلاط المرابطين عددا مهما من العلماء وذوي الكفاءات من جندي وكاتب ومعماري وشاعر..
        أما الفقهاء فقد كانوا ظهيرا لأمراء الطوائف، "وكانوا أكبر عضد في تبرير طغيانهم وظلمهم"، حيث لم ينفكوا من تزكية تصرفات هؤلاء الأمراء فيما يتعلق بالضرائب المفروضة على الرعية، فعمرت بلاطاتهم بالفقهاء وأضحوا يتقلبون فيها كيفما شاءوا رغبة منهم في تحصيل النفوذ والمال.
        وقد وصف ابن حيان هذه الطبقة بقوله:" ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين اثنين كالملح فيهم الأمراء والفقهاء، قلّ ما تتنافر أشكالهم بصلاحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون".
        أما المرأة في عهد ملوك الطوائف، فقد كان لها الحظ الأوفى وشاركت بشكل فعال في إدارة سياسة البلاد، من الخالدات جارية المعتمد بن عبّاد، اعتماد الرميكية، التي أصبحت زوجته وأمّ أولاده.
        وقد عمد هؤلاء الأمراء إلى الاستكثار من "الجواري الحسان وملاح الغلمان".فإن أرادوا ترفا تغنيهم وإن أرادوا طربا تكفيهم، وقد بلغ عددهم عند المعتضد بن عبّاد "سبعون جارية".

        والجدير بالذكر أن اقتناء الجواري ارتبط كثيرا بالصوت الشجّي فنشطت حركة الغناء التي كان يحفل بها بلاط الأمراء حتى أضحى الغناء مظهرا اجتماعيا بارزا.
يتبع .......... عصر المرابطين.

الحياة الاجتماعية في الاندلس ج1 -عصر بني أمية- د/سامية جباري

        كان المجتمع الأندلسي بعد الفتح الإسلامي مؤلفا من عناصر متعددة شكلت هيكله العام، فتعددت بذلك أصول سكان الأندلس وأجناسهم، فقد دخل مع طارق ومغيث وموسى بن نصير عدد كبير من البربر والعرب بلغ عددهم نحو ثلاثمائة من العرب واحتشد معهم من البربر زهاء عشرة آلاف حسب رواية الناصري، إلاّ أنهم لم يشكلوا جبهة واحدة، فنشب بينهم صراع مرير تارة بين العرب والبربر وأخرى بين المضرية واليمنية من العرب أنفسهم.
        ثمّ دخل بلج بن بشر الأندلس وفي صحبته عشرة آلاف، ألفان من الموالي، والباقي من بيوت العرب، وهؤلاء هم الطالعة الأولى من الشاميين، أما الطالعة الثانية وصلت بصحبة أبي الخطار الكلبي ، فظهر نزاع قبلي بين الطالعتين حيث "عظمت الفتنة واشتد الاضطراب".
        إضافة إلى هذه الأقلية العربية نجد الموالي الذين شغلوا مناصب هامة في الدولة والجيش مثل بني مغيث وبني جهور وغيرهم ممن نالوا مقام الحظوة عند أمراء بني أمية، إلى جانبهم نجد المولدين وهم القوط والإسبان الذين أسلموا منذ الفتح ويعرفون في الإسبانية بالخوارج أو المرتدين RENEGADOS ما لبثوا أن اندمجوا في المجتمع الإسلامي وأضحوا من أهمّ عناصره.
        كما نجد هناك عنصرين آخرين قد تجدر الإشارة إليهما، وهما: المستعربون أو النصارى المعاهدونMOZURABES الذين آثروا الاحتفاظ بدينهم القديم ولبثوا يعيشون في المدن والأراضي المفتوحة تحت الحكم الإسلامي.
        واليهود، الذين وثق المسلمون فيهم عند الفتح وضموهم إليهم في كل بلد مفتوح، وتركوا لهم حرية العقيدة، إلاّ أن هذه العناصر لم تنصهر فيما بينها في عهد الخلافة الأموية ممّا أدى إلى فتن واضطرابات داخلية، فظهرت العصبية بين العرب والبربر، وكان أشدهم شوكة عمر بن حفصون، الذي أذاع في الناس بيانا عاما ذكر فيه المظالم وبين الهدف من ثورته هذه وهو انصاف الناس ممّا جاء فيه:".. طال ما عنف عليكم السلطان، ونزع أموالكم وحملكم فوق طاقتكم وأذلتكم العرب واستعبدتكم وإنما أريد أن أقوم بثأركم وأخرجكم من عبوديتكم"، وقد اشتدت فتنته زمنا طويلا وهددت الأندلس تهديدا حقيقيا.
        ومما يميّز هذه الفترة أنه لمّا جاء عبد الرحمن الداخل "اتخذ المماليك وأخذ يشتري الموالي"، واستعان بالبربر واستجلبهم من برّ العدوة واستكثر منهم ومن العبيد فكوّن جيشا كبيرا، وسار على طريقه الحكم الربضي، فاستكثر من الخدم والحشم حتى بلغ مماليكه خمسة آلاف، ثلاثة آلاف منهم فرسان يسمون الخرس لعجمتهم.
        وفي عهد الناصر والحكم المستنصر كثر الصقالبة، وأصبحوا الحرس الخاص للخليفة إلاّ أن مجيء المنصور أسقط زعماء العرب لئلا ينازعوه السلطة وجنّد البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد وأسرى الحرب، واستدعى البربر ورتّب من هؤلاء جميعا جنده، كما نجد أقلية من الفقهاء الذين حصلوا علما غزيرا ووصلوا إلى مراكز الصدارة في الدولة والمجتمع، أمثال يحي بن يحيى الليثي.
        وفي عهد هشام بن عبد الرحمن قوي نفوذ الفقهاء ورجال الدين وتربعوا على أهمّ المناصب، "وكثر تدخلهم في شؤون الدولة".
        أما المرأة الأموية فقد احتلت مكانتها السياسية، حيث كانت واسعة النفوذ، وتمتعت بقسط وافر من الحرية، من الأسماء الخالدة عجب التي تمتعت بسلطان واسع عهد هشام بن عبد الرحمن، وصبح قوي نفوذها أيام الحكم وبن أبي عامر، ولعلّ أهمّ ما تميّز به أمراء قرطبة أنهم كانوا على كثير من التسامح الديني، فقد منحوا أهل الأندلس الحرية في إقامة شعائرهم الدينية، حيث كانوا خير مثل للحكام الذين يعملون لخير الرعية دون أثرة أو استبداد، يتحرون العدل بدء بعبد الرحمن الداخل الذي" كان على سيرة جميلة من العدل" إلى آخر أمرائهم باستثناء الحكم الربضي الذي ساءت سيرته وقد قال فيه المراكشي:" كان طاغيا مسرفا وله آثار سوء قبيحة، وهو الذي أوقع بأهل الربض الوقعة المشهورة".
        كان هؤلاء الأمراء شديدي الوطأة على أهل الظلم والجور، فالناصر رأى من واجبه كأمير للمؤمنين أن يحمي عقائد المسلمين من الانحرافات الضالة، والأفكار المنحرفة، فأصدر بيانا شاملا ضد تعاليم ابن مسرة وهو من الثائرين الخوارج محذرا أتباعه ومنذرا، حيث قال:" طلعت فرقة لا تبتغي الخير ولا تأتمر رشدا، من طعام السواد، ومن ضعف آرائهم.. فبريت منهم الذمة.. أغلظ أمير المؤمنين في الأخذ فوق أيديهم وأوعز إيعازا شديدا وإنذارا فظيعا".

        وهكذا لم يترك أمراء بني أمية مجالا للثائرين إلاّ وأخمدوا ثوراتهم وتتبعوهم خوفا من انحراف العامة، تحقيقا للاستقرار في ظل حكم عادل.
يتبع ....عصر الطوائف

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

الحياة الثقافية في الاندلس عصر بني الاحمر بغرناطة .د/سامية جباري

وبانهيار سلطان الموحدين وقيام المتغلبين من بني هود، وبني الأحمر وكذا سقوط الثغور الإسلامية في يد النصارى تباعا جعل الحركة الفكرية تتصدع في هذه الفترة، "لانشغال المفكرين والأدباء بالمحنة وآثارها"، فغادر عدد منهم الأندلس كابن العربي وابن البيطار وغيرهم كثير، إلاّ أن هذا الوضع لم يستمر، فما إن بدأت الأوضاع السياسية تستقر في مملكة غرناطة حتى أخذت الحركة الفكرية تخطو نحو التألق والازدهار، وكان ملوك بني الأحمر من حماة العلوم والآداب بحيث كانوا هم أنفسهم في طليعة الأدباء والعلماء مما يؤيد ذلك ما ذكره ابن الخطيب في مؤلفه اللّمحة البدرية أن محمدا الفقيه "آثر العلماء من الأطباء والمنجمين والحكماء والشعراء"، وأن محمد المخلوع كان" يعرف مقادير العلماء ويجيز الشعراء".
وقد بلغت الحركة الفكرية ذروة ازدهارها في عصر السلطان أبي الحجاج يوسف بن اسماعيل النصري(ت755هـ) وولد السلطان محمد الغني بالله (793هـ) حيث حفل العصر بعدد كبير من الأدباء والشعراء.
ثمّ كانت المرحلة الثانية أين شغلت أهل غرناطة الفتن والانقلابات وحروب الاسترداد المسيحي، لنلمح فراغا واضحا في ميادين التفكير ولا نعثر إلاّ على فئة قليلة من المفكرين والأدباء.
ومما ساهم أيضا في تبدد النتاج الأندلسي من فكر وأدب وعلوم سقوط غرناطة في يد النصارى حيث أرغم الأندلسيون على التدجن كوسيلة أكيدة يبتغى من ورائها محو المقومات الإسلامية العربية.
وفي مختلف المراحل التي عاشها مفكرو الأندلس في مملكة غرناطة نلمح بعض الأسماء من كبار المفكرين والعلماء في شتى الميادين.
فقد "كان للعلوم الشرعية القدح المحلى بين سائر المعارف" وذلك لحاجة المجتمع الدائمة إليها، ولأنها بمثابة القوانين، لذا راح أولوا الأمر من بني الأحمر يشجعون العلماء ويجيزون الفقهاء ونتيجة لذلك برز عدد من الفقهاء والمحدثين وأصحاب القراءات من أمثال: إبراهيم بن موسى محمد بن اللخمي الشاطبي صاحب" الاعتصام" و"الموافقات".
أما التاريخ والجغرافيا، فقد اتسع التأليف فيهما وظهر أقطاب في هذا المجال، من أبرزهم ابن خلدون وتاريخه يغني عن الإشادة به وصديقه لسان الدين بن الخطيب الذي أرّخ للأندلس والمغرب وألف أرجوزة في دول الإسلام.
ومنهم محمد بن عبد الله بن الآبار القضاعي وهو "الإمام الحافظ الكاتب الناظم الناثر المؤلف الرواية"، له تصانيف "قطع الرياض"، "تكملة الصلة"، "هداية المعترف في المؤالف والمختلف"
أما العلوم الرياضية والطبيعية والفلك برز فيها أبو الفضل محمد بن عبد المنعم الجلياني الطبيب والشاعر الأديب، وكذا أبو بكر بن عبد الملك بن زهر ، نبغ في الطب والكيمياء والصيدلة.
وإذا عرّجنا نحو اللّغة والأدب، فإن الحركة الأدبية يومئذ احتلت مكانة رفيعة فامتلأت الأندلس بالمراثي والشعر القوي واحتل منصب الوزارة في الدولة النصرية كبار الكتاب وأعلام الأدب والشعر برز منهم: ابن الحكيم محمد عبد الرحمن بن إبراهيم اللخمي (ت708هـ)، "كان إماما فاضلا بارعا في الأدب"، من شعره:
ما أحسن العقـل وآثاره                لو لازم الإنسان إيثاره
يصوّب بالعقل الفتى نفسه            كما يصون الحرّ أسراره
لا سيما إن كان في غـربة             يحتاج أن يعرف مقداره
وأعظمهم مكانة لسان الدين بن الخطيب، من شعره:
خليفة الله سـاعد القـدر               علاك ما لاح في الدّجى مهر
ودافعت عنك كفّ قـدرته             ما ليس يستطيع دفعه البشـر
                 وجهك في النّائباب بدر دجى       لنا في المحّـل كفّك المطر
        وبسقوط دولة الإسلام، لم تنطفي، هذه الروح الشعرية، فبعدما أرغم المدجنون على التنصر أوجدوا لأنفسهم متنفسا عن أفكارهم فيما أسموه الألخميادو في أدبهم، من شعرائهم محمد ربدان RABADAN، فتى أبيرالو EL MANCEDO DE AVERALO.
        أهم مؤلفات هذه الفترة: ابن الأحمر وله "نثير الجمان" و"نثير فرائد الجمان" وابن الخطيب ومؤلفاته عديدة أهمها: "اللّمحة البدرية" "نفاضة الجراب" "الإحاطة في أخبار غرناطة" للشاطبي كتابي "الموافقات" و"الاعتصام" ولأبي القاء خالد البلوي "تاج المفرق في تحلية أهل المشرق" ولإبراهيم بن فرحون "الديباج المذهب".
        كما حفل العصر ببعض الدواوين الشعرية مثل ديوان ابن خاتمة الأنصاري، وديوان ابن الجياب، ومجموع شعر لسان الدين بن الخطيب المسمى "الصيب والجهام".
أما الرسائل فقد راج سوقها لكثرة الكتّاب في بلاط غرناطة.
        أما اللّغة فقد كان نموها طبيعيا لارتباطها بنمو العلوم الإسلامية وازدهارها. فاشتغل الناس بها واجتهدوا في اكتساب أدواتها.
والذي تجدر الإشارة إليه أنه بعد استيلاء النصارى على غرناطة حاولوا جاهدين القضاء على استعمال اللّغة العربية وفرضوا القشتالية على المدجنين وطاردوا من يستعملها خفية، فقد صدر في عهد فيلب الثاني PHILIPP II قانون جديد صارم يحرم على الموريسكيين التخاطب باللّغة العربية أو التعامل بها فانمحت بذلك الآثار العربية.
        وبقي أن نشير إلى الفن والعمارة في غرناطة، فبالرغم عن صغر رقعتها فقد حملت معالم فنية معمارية خالدة، حيث كان بنو الأحمر حماة الفنون، ويكفينا مثلا حمراء غرناطة والتي تتنبئ عن فن صادق ونموذج حضاري في أكمل صورة وما يحمله من نقوش وزخارف وصور يمثل رمزا آخر لروعة الفن الإسلامي.

        ويمكن القول أن الآثار الباقية في الأندلس للقصور والقناطير والحصون والقلاع تمثل أطوار الفن الإسلامي الأندلسي في مختلف عصوره وقد ظهرت محاكاته واضحة في المنشآت النصرانية حتى أضحت قصورهم نماذج لقصور ممالك الأندلس وطراز مساكنهم فيه مسحة أندلسية خالصة.

همس الأوجاع؟؟؟ د/سامية جباري


جفّت محبرتي وريشتي ممزوجة ببقايا مداد
قلت لها تكلمي فالسرّ لم يعد يهوى غلق الابواب
اكتبي عن نهر أحاسيسك والشعور الفياض
امزجي ماءك بدمعي واصنعي منه الحبر والدواء
غوصي في ذاكرتي في وجداني وانقشي رسمك بلا هواد
احفري على الاوراق على الصخور الراسيات والجبال
عطّري يراعك بلون الرمال واسكبي له مياه البحر والغدران
خطي ملامح عاشق خلدت ذكراه الايام والازمان
وذكّريهم بليلى وعبلة ودونهما عزّة المرام؟
هل حقا كنّ في الهوى للعاشقين مثال؟؟
ماعادت ديارهن يبكيها الولهان؟؟
ولا على أطلالها يقف المكلوم بالفراق؟
أين البوح والشوق والغزل الهدار؟؟
أين الهمس واللمس والغمز من الطرف الأخاذ؟؟
أين الوصل رسولك في الدجى يحيي الفؤاد؟؟
أين التبسم من الشفاه يخترق اللباب؟؟
اين الأنس والسمر ينير بالعشق ضباب؟؟
أين الشهد بين ورودك أتنفسه عشقا بلا انقطاع؟؟
اين الأقاح كنت أعيشها معك ليلا ونهار بل غداة ورواح؟؟
دعوتني فلبيت وقلنا هاهنا الهوى عنوان؟؟
أتدلل بين ذراعيك يلفني عطرك سيدي لا محال
دفؤك، قربك، دفع شعري اليك هطالا في انسياب؟
أقول في هواك ترانيم لو عدت في الشعر لكانت من الاخيار
ليت قلبي لم يصبه سهم لحظيك وبقي يهيم في عباب السماء؟
لم يعد لي منك أطيب الكلم وما جدت به من درر الالفاظ؟؟
كأنه الحلم مرّ سريعا حقا غرقت في الأوهام؟
تبكيني السماء تنعيني بمائها المزن كل عشية وإبكار؟
لا الأوزان تفي ولا القوافي تغني بل العبارات في شتات؟
أطويت الصحف ام جفت الأقلام فلم يعد لهمسك مرام؟؟
حقّ لمحبرتي ان تجف ولاتسعها مياه البحر ولا دموعك مداد؟؟

د/سامية جباري