الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

الخصائص الفنية للرسائل الديوانية من الفتح الى سقوط غرناطة.ج5. د/ سامية جباري

الجمل الدعائية والمعترضة:
     يقصد بالجمل الدعائية تلك العبارات المتضمنة الدعاء بدوام العز، والسعادة، وإطالة البقاء، ودوام السلطان[1]، وما إلى ذلك من مثل هذه المعاني، وأما الجمل المعترضة فهي التي تأتي بين معترضتين في سياق الكلام، وغالبا ما تكون على شكل دعاء، ويجتهد الكاتب الديواني في أن يضع الدعاء في مقامه المناسب، فعندما يذكر الخليفة أو الأمير يتبعه جملة اعتراضية تناسب مقامهما كقوله: أيده الله[2]، أصلحه الله[3]، أكرمه الله[4]، وفقه الله[5]، وإذا ذكر العدو اتبع بجملة اعتراضية كقوله: دمرهم الله[6]، لعنه الله[7]، قصمه الله[8]، خذلهم الله[9]، وعلى هذا المنوال نستعمل الأدعية في مقامها بين معترضتين.
وأما عن الجمل الدعائية فلا بد أن يراعى في صياغتها الاعتدال وقد أشار الكلاعي إلى ذلك بقوله: " الإكثار من الدعاء في الرسائل من أبهر الدلائل على ضعف البضاعة في الصناعة"[10]
ومن الجمل الدعائية التي وردت ضمن الكتب الديوانية رسالة وجهها إلى هشام المؤيد، المنصور بن أبي عامر لما عقد الصلح بينه وبين الموفق: (أطال بقاء أمير المؤمنين مولاي وسيدي وسيد العالمين وابن الأئمة الراشدين عزيزا سلطانه منيرا زمانه سامية أعلامه ماضية أحكامه على من نوأه قاهرا لمن عاداه)[11].
     وفي رسالة أخرى من ابن اسحاق إلى المعتمد بن عباد بأمر المقتدر بالله بن هود صاحب سرقسطة يخبره بأمر أخيه صاحب لارده، افتتحها بالدعاء: "سيدي وأعلى عددي وأقوى عمدي، وأذكى ذخره الأبدي، نعمة الله المستطيلة بيدي الناهضة بعضدي، ومن أطال الله بقاء في عز رفيع المراتب، وحرز منيع الجوانب.."[12]
     وقد جعل الكلاعي اختيار الدعاء صفة ملازمة للكاتب فعليه: " أن يتحرى في الدعاء الألفاظ الرائقة، والمعاني اللائقة، يتوخى من ذلك ما يناسب الحال، ويشاكل المعنى ويوافق المخاطب[13]، مثل ما أورده الوزير الكاتب ابن شرف في رسالة أرسلها إلى علي بن يوسف أحد قواده يخبره بفتح أقليش جاء فيها: " أطال الله بقاء أمير المسلمين وناصر الدين عماد الأنام وعتاد الإسلام السعيد الأيام الحميد المقام الكبير بالقدر ظهيري على الدهر الذي أجله بحقه وأقره بسبقه وأدام خلوده مؤيد الادارة مؤبد السعادة مجدد النمو والزيارة"[14].
     وقد نلمس في بعض الرسائل الديوانية إطنابا في الأدعية مثال على ذلك رسالة أخو الخليفة يعقوب وجهها إلى شيوخ الموحدين والطلبة والأعيان وعموم الناس يخبرهم بالنصر على مردنيش من إنشاء ابن عياش:
" والدعاء لمولانا وسيدنا أمير المؤمنين حامل لوائه والملة على منهاج الحق، الناسخ لمفترقات المذاهب، ممشي الدعوة الإمامية والكلمة الموحدية في شعاع نوره المجلي للغياهب ثمّ لفرعه الأنمى ونجله الأزكى الأمير الأجل الملك الأسعد الأعدل أبو يعقوب ذو الحسب المحلى بالمناقب والمسامي للنجوم الثواقب، المختار لأمر الله تعالى، المخصوص بغرائب الرغائب"[15]
     وقد وردت الجمل الاعتراضية في الرسائل الديوانية على شكلين، تارة متسلسلة، وتارة متباعدة، فالوجه الأول ما أورده ابن برد في رسالة التولية بالعهد من هشام المؤيد إلى المنصور بن أبي عامر: " وجعل إليه الاختيار لهذه الأمة بولاية عهده فيها، إن رأى بقاء ذلك في أمير المؤمنين-أعزه الله- عهده هذا وأنفذه وأجازه، لم يشترط فيه مثنوية ولا خيارا، وأعطى على الوفاء بذلك-في سره وجهره وقوله وفعله- عهد الله وميثاقه.." [16].
        والوجه الثاني ورد بكثرة في مجموع رسائل موحدية لبروفنصال، نستشهد برسالة من إنشاء ابن عطية: " إنا كتبناه إليكم-كتبكم الله ممن أحسن تلقي البشائر، ووفىّ النعمة حقها من شكر شاكر، وجعلكم من الذين أشرقت لهم أنوار الهداية فائضة على الأبصار والبصائر- من حضرة فلانة- حرسها الله- والذي نوصيكم به.. وقد كان مقامنا بهذه الجزيرة مهدها الله- لتميم المقصود في معاقبة العدو-قصمة الله-وغيرهم-كتب الله جميعهم قاصدون قصد هذه الجهة"[17]
يتبع..  ج6




0 commentaires:

إرسال تعليق