إنّ الأدب الشعبي كان ولا يزال مرآة صادقة تعكس تاريخ مجتمع من المجتمعات، بل نتعرّف من خلاله على حضارة شعب من الشعوب، وبذلك حاول ولا يزال أن يكون صورة ناطقة متحرّكة، تعبّر عن ثقافة الشعب وطموحاته وتطلّعاته وآماله وآلامه التي أضحى يصوّرها بصدق وجدية، فالأدب الشعبي شعرا وثرا، مهما كان مستواه الفني، ومهما كانت بنيته الدلالية فهو مرتبط شكلاً ومضموناً بقضايا الشعب والواقع، فهو أدب الحياة، يصوّرها أحسن تصوير ويعكس مختلف جوانبها بكل مظاهرها المحسوسة، يرصد نشاطات الناس الاجتماعية والفكرية الثقافية بدقة وأمـانة.
والأدب الشعبي لا يقتصر على تناول ناحية واحدة من مناحي الحياة ولا يتأثر بظروف معينة في طبيعتها بل تصوغه الأحداث والظروف على اختلاف أنواعها سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو أي ظروف أخرى حتى أضحى نمطا فكريا يبرز حقائق الحياة، بل ويجعلها قطبه تدور حوله الثقافة والتفكير، ليشكل في النهاية منظومة فكرية شعبية إنسانية عظيمة..
فالشعبية، ومن هذا المنطلق ( صفة لكل ما يصدر عن الشعب قولا، ممارسة، سلوكا وتصورا للحياة وللأشياء، ويندرج ضمن هذه الدائرة المفهوماتية لمفهوم الشعبية أيضا كل ما هو موجه للاستهلاك الشعبي، سواء أكان ماديا أو معنويا) 1ـ
والأدب الشعبي جزء من هذه الثقافة الشعبية التي اتخذها أبناء الشعب وسيلة يربطون بها ماضيهم بحاضرهم محاولين بذلك الحفاظ على تراثهم من الضياع والإهمال أو التشويه، فقد رصد الشاعر الشعبي كل مرحلة من مراحل التاريخ أمته أحداثا ووقائع كانت ولازالت شاهدة على تمسك هذا الإنسان بهويته وبمقوماته وشخصيته العربية والإسلامية.
) لجأ الشعب الجزائري إذن إلى التعبير عن نفسه بالكلمة الشفوية تسجل وتنقل كل صغيرة وكبيرة. وتولَّد عن كل حادث حكاية أو شكوى ينقلها الشعراء والقصاصون من مكان إلى آخر، تنقلها الركبان وتتلقفها الأذهان لتعبر عن وضع مأساوي تعيشه الجماهير الشعبية وتتفاعل معه،( 2.
من هذا المنطلق أرتأيت ان انظر في تاريخنا المجيد إبان الاستعمار الفرنسي لأستقصي ملامح الثورة والنضال من خلال المقاومات وكذا ثورة التحرير المباركة التي واكب أحداثها الشعر الشعبي من خلال رواده الذين سعوا لأجل المحافظة على الدين والوطن، لنتعرف عن قرب عن ارتباطه بتطور المقاومة الشعبية في الجزائر، حيث يستشف من بعض نصوصه أن أصحابه دعوا إلى ضرورة ربط الواقع المؤلم بالماضي المجيد، كما دعوا إلى ضرورة المحافظة على مقومات الشخصية القومية، لأنها كانت تشكل المناعة ضد محاولات الذوبان التي عمل الاحتلال الفرنسي لفرضها على الشعب الجزائري.
)قام الشعر الشعبي بدوره في تحريك عجلة المقاومة، من ذلك استعادة المجد السالف للتمسك به واحتضانه خوفا من ضياع ذكراه في ظروف القهر والطغيان. (3
فصوروا ألامهم وأمالهم، ورصدوا خطوات وبطولات المجاهدين، احتضنوا الثورة وعاشوا همومها ومكاسبها، وعاينوا عن كثب أحداثها ووقائعها لينقلوها للأجيال اللاحقة عن طريق شعرهم. لقد صحب الأدب الشعبي المقاومَة المسلحة في حينها، أما عندما اخمدت هذه المقاومات فإنه لم يخمد، بل واصل نضاله على الدوام، إنها )المقاومة الأدبية التي كانت تأتي على ألسنة الشعراء والمداحين من القصاص وشعراء الملحون الذين كانوا يجتمعون بمناسبة المواسم والأسواق وغيرها ليثيروا عواطف الناس، ويذكروهم بالغزوات والفتوحات الإسلامية بكلام موزون، يستحثون هممهم ويثيرون فيهم الحماس ليثبتوا على جهادهم ونضالهم ضد المستعمر الغاصب، وأن الإرادة الإلهية ستبعث فيهم ذات . يوم منقذا على أية حال( 4
فتعددت أغراض قصائدهم الشعبية فهناك قصائد ينحصر موضوعها في التحريض على االجهاد والدعوة للكفاح ضد العدو المحتل، وهناك قصائد تنحصر مضامينها في البكاء والتحسر، وهناك أخرى تشيد بالأمجاد والبطولات، وأخرى تتغنى بالحرية والاستقلال.
وهذا نوع من النضال كما أشار إليه أبو القاسم سعد الله قائلا ): وقد ناضلت النخبة التقليدية الجزائرية بواسطة الأدب الشعبي والقصص الوطني والتعلق الغامض بالماضي،وتحميس الفخر الوطني( 5
) لقد أدرك المستعمر الخطر الذي يمثله الأدب الشعبي،وأنه أشد خطرا من الأدب الرسمي الذي استطاع أن يزيفه وأن يسيطر على تعلمه وتداوله وتدارسه( 6
أوجه تفاعل الشعر الشعبي مع المقاومات والثورات:
وفيما يلي أوجه تفاعل الشعر الشعبي مع المقاومات الشعبية وكذا ثورة التحرير نوجز بعضها في الأغراض التالية:
1* رثاء مدينة الجزائر عند احتلالها من قبل المستعمر الفرنسي:
لقد كان لدخول المستعمر الفرنسي أثره البالغ في نفسية الشعب الجزائري الذي ما فتئ ينكر اغتصاب أرضه وطمس هويته، فتحركت قريحة الشاعر الشعبي مصورا ألمه بالمصاب الجلل الذي أرداه حزينا كئيبا يتذكر أيام الحرية ويستنكر الحال الذي أضحت عليها بلاده من بين هؤلاء نذكر الشاعر الشعبي عبد القادر الوهراني يرثي مدينة الجزائر بعد احتلالها من قبل الفرنسيين في قصيدة طويلة نقتطف منها:
الأيام يا خواني تبدل ساعتها والدهر ينقلب ويولي فالحين
بعد أن كان سنجاق البهجة وأوجاقها الأجناس تخافها في البر وبحرين
الفرنسيس حركلها وخذاها لا هي ميات مركب لا هي ميتين
بسفاينه يفرص البحر قبالها كي جا من البحر بجنود قويين
غاب الحساب وادرك وتلف حسابها الروم جاو للبهجة مشتدين
راني عالجزاير يا ناس حزين 7
2* التغني بالأمجاد والثورات:
انه لمن دواعي إثارة الهمم وايقاظ الروح الوطنية تذكر الأبطال الذين ضحوا من أجل التصدي للعدو الغاشم ثم التغني ببطولاتهم لما تحمل من دلالات عميقة في البذل والعطاء من أجل أن تحيا الجزائر حرة أبية إذ لا يخلو بيت من البيوت الجزائرية من بطل أو زعيم أو جندي محارب واجهوا المستعمرين بكل ما أوتوا من وسائل، فناصرتهم الجماهير الشعبية ودعمتهم لأنها رأت فيهم المعبر عما كانوا يتمنون القيام به.
) لقد تمثلت المخيلة الشعبية البطل نموذجا مثاليا في ذاكرتها الجماعية، ذا قوة مادية ومعنوية يستعملها لتحقيق أهداف الأمة، وقد جعلت المخيلة الشعبية البطل يتمتع بمواهب خاصة تميزه عن غيره من الناس العاديين، كالدفاع عن الضعيف وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع ونصرة المظلوم( 8
ونرصد من بين تلك البطولات الي خلدها التاريخ ومجدتها الأمم :
* بطولة الشيخ بو عمامة:
التي يصورها الشاعر اَلمهناني مستعيدا ذكريات انتصارات الشيخ بوعمامة في مقاومته للمستعمر في موقعة تيقري وفندي يقول فيها:
لوشتوم ما فعل بشينين الديوان لو كنتم يوم تيقري وخبر فندي
تشاهدوا ما فعل الشيخ بوعمامة بالماريشال ليـوتـــي 9
*معركة دغامشة:
ويستعيد الشاعر الشعبي بوتقي عبد النبي بن محمد موسى ذكريات انتصار أهل عين صالح على الفرنسيين في معركة الدغامشة سنة 1899 و 1900 م ويقول:
ابعث بو شاطة يطلب التسيار وحلفنا باليمين لا صارت ليينا
في أول رمضان يوم الجمعة آخر النهار قلنا له الى غدا يا تاتينا
وضربناه من البعد ورجع على الادبار ومشى غضبان مسود المغبانتا
وارفد موتاته فوق بيبان النجار ودفنهم قبلة عين صالح جبانه 10
*الانتصار في معركة الشلالة:
وعن معركة أولاد سيدي الشيخ يقول شاعر مجهول:
يا الحاضر عود الاخبار واشته صار على نهار الشلالة في الزمان معدود
على نهار الشلالة خرجت المحلة جات ثمة الخيالة ما بقى المجحود
راه في الشلالة محصور بين القصور مر ذا الكلب غدا مدمور سحقه البارود 11
*مقاومة المقراني:
التي نالت حظها من الإعجاب فتغنى الشاعر الشعبي ببطولة قائدها الذي اختار الجهاد والموت في سبيل الله خير من البقاء في ذلة.
في قصيدة نقتطف منها ما يلي:
قال العزيز الحدا د يالكرا م يا لا جوا د
من الظُّلم والفسا د شعبنا ننْقذوه
فرسان غزا ر شدا د في وجوه العناد
نحْفروا له الاْلحاد نخليوا دا ر بوه
المقراني بسلاح عول عَلى الكفا ح
قام ودا ر البَرا ح يا أهلي المُوت خير 12
*مظاهرات 11 ديسمبر:
كما كان لأحداث مظاهرات 11ديسمبر أثرها في الشعر الشعبي إذ تفاعل معها بكل أحاسيسه متفائلا بالنصر الذي يأتي بعد هذه الثورة وقد أكد الشاعر محمد الصالح لوصيف شعبية هذه المظاهرات معظما وممجدا الشعب الثائر قائلا:
أعظم مظاهرة في حداش ديسمبر وخرج شعب الجزائر رجال ونسوان
في مركز أولاد سلام هجمو على العسكر لعدو اضرب بالرشاش وزاد الطيران
النساء زغرتت والرجال ايناديو الله أكبر في البيضة دهموهم كبار وشبان13
3*التغني بالبطولة والشجاعة:
اهتم الشاعر الشعبي بذكر البطولات وتخليد ذكرى الأمجاد مشيدا بما قدمه هؤلاء من إقدام وبسالة في مواجهة العدو شبابا ورجالا ونساء وحتى الأطفال شاركوا في حماية الوطن. وهاهو شاعر مجهول يدعو الجنرا ل ديغول إلى الاعتراف بالأمر الواقع والانسحاب من الجزائر، مشيرا إلى الشباب الذين وهبوا حياتهم من أجل الحرية والاستقلال فيقول:
سلم يا ديغول هذاك اللي كان الجزاير ولدت جيل راسه عريان14
ويدخل في هذا الاطار ما تغنى به الشاعر محمد بلخير مشيدا ببطولة المجاهدين واستبسالهم من أجل تحرير الجزائر فيقول:
احنا مجاهدين ماهو قول ضعيف تبعنا ما قال ربي في القرآن
واحنا بارودنا عالبارود خفيف بتوانس نضربوا على شوفة الاعيان
احنا سقنا من كسال القرن عريف وفينا الروم بين ماضي والويدان
ماتت منا حداعش فراسين الحيف ميتين ونص بين كفرة ومزان
واحنا الناس تهترف بينا اتهتريف وشوايعنا من الدزاير للسودان 15
وقد شهدت الجزائر في مرحلة الاستعمار عدة ثورات ومقاومات شعبية تمرر رسائل للمستعمر على ان الشعب لا ولن يرضى بالدخيل الأجنبي الذي اغتصب أرضه وانتهك عرضه ومحى مقوماته، فتزداد قوة الشعب بانتصاراته التي يغتنمها الشاعر الشعبي ليلهب عواطف الناس لأجل الاستمرار في النضال فرحين بالانتصار مثال ذلك ما قاله محمد روّاق عند انتصار الشعب الجزائري في مظاهراته ضد المستعمر الغاشم و ثورته على الظلم والطغيان الفرنسي ، يقول:
ما أحلى هذا المنظر كان اليوم الحرب مطور
لازمني نشعر والشعب إهلل و اكَبرْ
العلم أخْضَرْ منور آمنا بالوطن تحرر 16
وما قاله آخر في بسالة الجيوش المقدامة:
لا لا يا شجرة الكروش مليانة حب و كرتوش
اﻟﻤﺠاهدين جيوش جيوش لزدموا ما يخافوش
لا لا يا شجرة العرعار ياللي مليانة سلاح وانار
هذوك ذراري ثوار على دينهم زدموا للنار
لا لا يا الجبل المظلم و لبياسة في ومضة تتكلم
اليوطنة يبايع و سلم و القبطان هزوه مشلم 17
4*الثقة في نصر الله:
يبدو الدين في شعر هؤلاء الشعراء عنصرا أساسيا ،وموضوعا بارزا ، خوفا عليه من أن يجتثه المستعمر ضمن خطته الاستعمارية الهادفة الى طمس معالم الشخصية الاسلامية العربية ومحو مقومات الشعب الحر الأبي، لذلك أصبح الدين بالنسبة للثورة يواكب تماما البندقية فكم من شهيد سقط لأجل كلمة " الله أكبر " ، و كم من مجاهد تجند من اجل عبارة " الجهاد في سبيل الله " .
و لعلنا لو عدنا إلى الوثائق المخطوطة التي هي في شكل رسالة أو خطاب أو تقرير ، أو عبارة عن المخطوطات لوجدنا سيطرة هذا العنصر عليها سيطرة تامة ،يستمد منها المجاهد قوته وكله ثقة في نصر الله .
سجل يا تاريخ لمعاركنا واكتب للبنين ذكرى للاباة
اشهدوا عنا يا اجيالنا ماذا عدينا من الصعوبات
للدين والوطن أحنايا جاهدنا كمثل الأجداد في وقت السادات
في كل الأعمال ربي ناصرنا حنا جند ليه في ساير الوقات
نصره محقق بيه واعدنا بالفعل شفنا عدة بينات 18
ويقول أخر:
الشجاعة و الصبر منهم حد خلاص افهم لعقاب ما تعابيه الرخمه
كي تكثر كي اتقل لا من عندو باس نصرة ربي مع اﻟﻤﺠاهد ديمه
يا من امرك بين كافيتك و النون انت القدير بيك تسغاث الامه
كن لنايا الله بفضلك في العون و انظر للمومنين بعين الرحمه المقدمة
5*الجهاد واستنهاض الهمم:
كان رد فعل الشعب الجزائري على سياسة فرنسا لتجهيله وتفقيره هو قيام فئة من متعلميه التقليديين بحمل لواء
المقاومة بطريقتهم الخاصة. وقد واكب الشعر الشعبي هذه المقاومات محرضا على القتال ملهبا العواطف موقظا للهمم مذكرا بالامجاد والبطولات مستلهما من المجاهدين الأوائل والصحابة الكرام روح الاستماتة في سبيل إعلاء كلمة الله.
وها هو شاعر شعبي مجهول يدعو للثورة ويحرض على الجهاد، ويمني القتلى بالجنة والقصور وبحور العين وأن ما عند الله هو خير وأبقى، قال:
باسم الله بديت نقول صلوا على الرسول
للي مات الجنة والقصور وسبعين من بنات الحور
يا ناس انصروا الدين وموتوا بالمائة والمائتين
بركانا من الموت الشين على الشهوة والدنيا للاثنين 19
ويقول الشاعر البشير الجريري في قصيدة يمدح فيها الشيخ بوعمامة محرضا على القتال والجهاد:
كان ما جاهدتوا تسموا مزانات
والجهاد حلال اللي جاه في بلاده
البرية جات والرسالة تقرا ت
كل شي ثم مولانا دارله حدوده
راهي موت القايم خير من الحياة
والذل ما ربي نزُله إلا على يهوده 20
وهاهو الشاعر الشعبي محمد بلعباس يثير حماس الشعب والمجاهدين معا خلال الثورة التحريرية الأخيرة ويقول:
اعلى وطن الجزاير نهونوا الاعمار ولو نفناوا كل ما يبقى واحد
انطهروا ذا البلاد من ذا الاستعمار رجال ونساء على الوطن تجاهد
في الربعة وخمسين تاريخ مسطر فاتح نوفمبر ذا الشهر مقيد
للثورة خرجوا ابطال ناس احرار منهم الاستعمار ولا يترعد 21
وتعتبر البسالة والشجاعة صفة ملازمة للمجاهدين اينما كانوا حتى وإن بغثهم العدو فجأة تجدهم على أهبة الاستعداد فالموت عندهم خير من العار،مثال ذلك عندما التقى المجاهدون بعدد هائل من الجيش الفرنسي على غفلة بمكان يسمى (بوحمامة) ورغم قلة المجاهدين اختاروا الحرب.. حفاظا على كرامتهم و كرامة جيش التحرير الوطني, لان تراجعهم وصمة عار ستلاحقهم أحياء أو موتى.
جبيت على بوحمامــة لقيت لعسكر اغمامة
يا خوتي واش مالهانة اولاد الشهدا ليتامــى
اذا قدمنا شعلت النـــار اذا وخرنا هذاك العار
وتغنى عدد من الشعراء بالوطن والجبل رمز الحرية والصمود، ورفع العلم علامة الانتصار ولم ينسوا المقاومة والجهاد رابطين ذلك بالنعيم الذي ينتظرهم في الدنيا والأخرة. يقول أحدهم متباهي ببلاده الجزائر:
بلادي يا بلادي عليك بنيت ساسي
على جالك خرجت خليت أم اولادي
فرانسا ما خلاتلي غير جلدي على عظامي
بإسم المولى القدير و النبي الشفيع الأخير
و دم الأجداد والأحباب اللي تخلط في التراب
ﻧﻬز ليلبياسه وفي الجبل نضرب بالرصاصة
لعدو اللي هدم بلادي وخلاها في الميزرية تنادي
لازم نجيبوا الحرية يا ولاة الزهرة الاوراسيه 22
ويقول آخر:
ياللي أتحب لافريك دينور شاركنا في الوطنية
ندافع على الدرابو المنصور انتاع الدولة الإسلامية
درابنا ديما منصور بلا طيارة بلا بابور
بركت ربي و الرسول آحنا اللي نجيب الحرية
درابونا نجمة وهلال نقومو ليه نساء وا رجال
إذا ما كفناش الحال انخلو التاريخ للذرية
شوفوا شوفوا يا لولاد الناس اللي خانوا البلاد
خشان الرؤوس و القياد زادوا معاهم القومية
فرنسا يا عرت لجناس كي حكمت خمسة رياس
قالت هذ الحرب اخلاص الجزائر من بكري ليا
كي جانا بولعيد جابنا نظام جديد
ربي يرحم الشهيد والشهداء بكلية
احشموا يا هذا الناس بركاو القرعة والكاس
بقينا ا حنا عرت لجناس غير احنا بلا حرية
درابونا لحمر و حرير أرماتو العكري في البئر
قمنا ليه اصغير و اكبير انخليو التاريخ للذريه 23
6*التغني بالحرية و الفرح بالاستقلال :
كان من الطبيعي ان يسجل الشعر الشعبي فرحة الانتصار ونشوته، فقد شارك المجاهدين ثورتهم بالمعركة الشفوية التي الهبت العواطف وصورت مأساة الشعب وجسدت احلامه بالكلمة الهادفة المعبرة فكان لزاما ان يجني ثمار الثورة فيفرح بالانتصار ويتغنى به
يقول "الهادي جاب الله" :
جزاير مبروك عليك استقــــلال الكامل ليك
مبـــروك الدوله اللي عطاها لك ربي المولى
جابوها رجالة فحوله هم ضحـــوا بالدم عليك
غرسوا شجرة للحرية سقيتيها بدمـــعة عينيك
ويقول أيضا :
بادي بسم الله نستعين بيه والصلاة على الهادي نبينا
هذا يومك يا دزاير قمت فيه ولت فيه بلادنا رجعت لينا
ويعتبر العلم من الرموز العظيمة التي تغنى بها الشاعر الشعبي يستلهم منه الحرية والانطلاقة نحو عيش مستقر فرفع العلم دلالة على الفرحة بالنصر والتمكين. يقول أحد الشعراء:
علمنا منصور لا طيارة لا بابور
بقدرة ربي و الرسول آحنا اللي انجيبو الحرية
علامنا نجمة وهلال رفعناه على الجبال
قمنا بيه أنساء ورجال احنا اللي انجيبوا الحرية
علمنا اخضر و احرير لحتو العكري في البير
انقوموا بيه اكبير وصغير احنا اللي انجيبوا الحرية 24
حتى المدن التي حققت انتصارات لقيت حظها من الذكر والتمجيد، يقول احدهم في متليلي:
يامتليلي جبتي ارجال قويه تاريخك معروف واحد ماينساه
ياوطن الجهاد البطولية الولد اللي يكبر إنسي في باباه
يا الشعانبة لحرار عز النيفية الشكر إو اتيكم الا انتم الغير أعلاه
تتفخر بكم الصحراء الجزائرية قولا و فعل التاريخ أقريناه
ضحيتو باولادكم عالحرية أميا و ثلاثين شهيد أحسبناه
خرجتو لستعمار جبتو الحرية الجيش الفرنسي خرج يبكي مقواه
كسرتو صاله اوليد الرومية لقنتولو درس ماعادش ينساه
تتفخر بكم شعوب افريقيا حررتوها أنتم في سبيل الله 25
7*الدعوة إلى توحيد الصف:
يذكر الشاعر في كلامه بضرورة الوحدة بين أفراد المجتمع ككل فالشعب واحد والمنطلق واحد والغاية واحدة، ولأجل تحقيق القوة والنصر فلابد من التآزر والتوحد تحت راية واحدة لأن الفرقة لا تحقق الانتصار فجسد الشاعر هذه المعاني لانها سبيل الخلاص
من ذلك ما قاله الشاعر محمد عبابسة الاخضري داعيا إلى الوحدة بين فصائل الحركات الجزائرية في النصف الأول من القرن ، العشرين، وخاصة بعد انعقاد المؤتمر الإسلامي سنة 1936 ويقول مخاطبا الجزائر بني مز غنة:
باتحادك راكي تفوزي تدي ما طلبتي وتحوزي
حقك راكي تزيدي تحوزي صراط الذل المهجور
باتحادك يقوى عزمك باتحادك ينصف خصمك
باتحادك تدي سهمك وتعيشي العيش المبرور
الاتحاد الاتحاد هو السيف الماضي الحاد فيه القوة وفيه الزاد
هو الحصن وهو السور 26
يقول الشاعر "عثمان بوقطاية" على لسان الدكتور " لخذاري" و هو محام في مدينة بسكرة :
ناض الدكـــتور "لخذاري"مجرب مشهور
خطب في الجمهور باللغة الفرانســـوية
قـال:مسيو ، دام كفوا من هذا الخصام
أتعلمــوا النظام بركاكم من الهمـجيه
ضحــكتوا الغير هذا منكم عيب كبير
اتحـــدوا خير أتولي صوالحكم مقضيه
التغني و الفرحة بثورة نوفمبر 1954 :
احتلت ثورة نوفمبر في الذاكرة الشعبية مكانة كبيرة حيث تغنى الشعراء ببطولة مفجريها وحملة الجهاد فيها، واعتبروها سبيل الخلاص من همجية المستعمر وعلى انها عنوان البطولة والنصر الأكيد الذي جاء بعد صمت طويل ليعلن على ان الشعب الجزائر يلا يرضى بغير الجزائر وطنا حرا ولا يقبل المساومة على مبادئة ومقومات شخصيته.
يقول الشاعر "سالم الشبوكي" في قصيدته " نوفمبر في الأعوام " :
إمامها في المنبر أنت في الأعوام
أنت في السماء قطب لا يتغيـر
أنت في الثراء بركان ناروا أتفجر
في أول طلقة حرة من الرصاص أمعبر
بارودها متلاحق والأرواح أتكبر
و الدم أحمر غامق على الصخور أمحدر
و المؤذن ناطق بالله الـــله أكبر
المؤذن زاد إيمانو راضي باللي امقدر
والخاين لابس قومي للبيعـــات ايبكر
الصحافة صبحت تنشر و الإذاعـــة اتخبر
واتعـــرف بالجزائر عنوانــــها مكبر
واتفطن في الشعوب عقلــها كان امخدر
واتنادي للتـــاريخ هيا سجل و احصر
أنظر للجـــــهاد في الجبــال أتقرر
الشعب أبكلــو نادى على طـرد المعمر
ثوره واتحـــــاد بالمسمـار امسمر
حياة و استشـــهاد و اللي اتكسر يجبر
عهد الحـــرية عاد والاستعمار تبعثر
غرة نوفمبر
غرة نوفمبر الجزائر شعشع لزدهار في العام الذكرى نيحوها نقمة فالاستعمار
غرة نوفمبر سموها أمليها تفزع و يجوها دول العربيه يحيوها كل ليلة و ﻧﻬار
لعلمات إترفرف هزوها ويهاتو بلحرار
غرة نوفمبر دللها عيد الجزائر تستهلها يا غافل بالك تجهلها و تصنط لخبار
كل ليله تشوف زلزالها شعلت فيها النار و في حق اولاد العربية إهزوا الاستحرار
أنولوا دولة عربية و علمنا يخضار 27
يا وطني عليك أنظمت الاشعار
با وطني عليك نظمت الاشعار تاريخ الثورة مسجل في الكراس
يالجزائر يالغالية أم الثوار أول رصاصة أنطلقت من لوراس
يا أعز الرجال ضد الاستعمار ثورة التحرير أطرحتو ليها الساس
واتسجل تاريخ يبقى للصغار الجزائر كاتباتو بالنحاس
في اول نوفمبر هذا الشيء صار الرابعة و الخميس تاريخ الحماس
قلتو بأسم الله سبلتو لعمار في حب الوطن ارخصتو لنفاس
قلتو للجهاد الله اكبر أنتشر لخبر أوسمعت به الناس
أمشات الثورة و انتشرت لخبار في جميع القطرو صلت كل أبلاس
شمال أو جنوب يمين أويسارا الجزائر كافة مثل التراس
فيالصحراء و التل قام الشعب اجهاراليد مع اليد متحد لباس
سبع أسنين و نصف ما حبستش النار حلف الاطلسي أﺗﻬرس قال اخلاص
افشل سلم ما قدرش على الثورة أسقط لستعمار تقطع ليه الراس
هز أولادو لاحهم شق لبحار أخرج يا خبيث من بلاد الناس
في خمس أجويليا أطلع علينا النهار و أتصبحنا أحرار مرفوعين الراس
طلعت رايتنا على سطح الجدار بالنجمة او هلال في وسطها بقاس
ارحم يا ربي الشهداء لبرار ديرالهم في جنة الفردوس ابلاس
جوار الرسول طه بولنور محمد شفيعنا يوم الخلاص
مع حور العين أزواج الابرار باللؤلؤ و اليقوات في أفخر لباس
اللي حررو لوطن رغم عالكفار الجزائر طهروها من لنجاس
من بعد الحرية انولو يا حضار الوطن نبنوه من بعد التهراس
اليد مع اليد كبار و صغار نبني جزائر جديدة بأخلاص
ارجعو بلادنا جنة تخضار نرفعوا ليها شاﻧﻬا أمام الناس 28
الخــاتــمـة:
هكذا إذن كان الأدب الشعبي دائما دعامة للكفاح المسلح وروحا ينبض بالحياة مذكرا بالوطن والوطنية حين يخفق صوت السلاح. لقد حافظ الأدب الشعبي على روح المقاومة عن طريق أخبار أبطال قاموا بأدوار بارزة، فيها شهامة وعزة وفيها رفض وإباء. لقد حاول رواد الأدب الشعبي بفنونه وأغراضه الوقوف ضد تيار التغريب باستنهاض الهمم والدعوة إلى الجهاد مستلهمين طاقتهم من إيمانهم العميق برسالتهم وأن النصر والتمكين لامحال سيكون من نصيبهم.
ولذلك تمكن الشعب الجزائري من الصمود بوسائل مختلفة في وجه عدو لا يرحم، فحافظ على خصوصيته وذاتيته، ولم يتمكن ذلك العدو من دمجه وإلحاقه ببلده رغم وسائله الضخمة المتطورة.
فعلا يعد التراث الشعبي ذاكرة الشعوب نستلهم منه المعاني ونستمد منه الدروس في مختلف مناحي الحياة ومن خلاله يمكن أن نستحلي معالم الحضارات والثقافات المتعاقبة، كما نستوحي منه أيضا ملامح المجتمعات، إذ ليس هناك ما يفصل الأدب عن الحياة ومتقلباتها، كيف لا والأدب كما نعلم مرآة عاكسة له قيمته ومكانته وكذا أهميته.