الأربعاء، 16 يوليو 2014

عائشة بنت أحمد القرطبي.د/سامية جباري



هي عائشة بنت أحد بن محمد بن قادم، قرطبية المنشأ، تأدبّت على عديد من العلماء حتى صارت عديدة زمانها، علمًا وأدبا وعدت من أشهر نساء عصرها، فهي عالمة أديبة شاعرة، فصيحة اللسان حسنة الخط قال عنها المقري نقلا عن ابن حيان وابن سعيد أنها:
"لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعدلها علمًا وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة تمدح ملوك الأندلس وتخاطبهم  وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف" وقد توفيت بكرا لم تتزوج في حدود سنة 40هـ.
أمّا في مجال الشعر فقد كانت المرتحلة ارتجالا، وتنظمه قويا جزلا بسرعة بديهة وخاطر، فقد دخلت يومًا على المظفر بن المنصور بن أبي عامر وبين يديه ابن له فارتجلت قائلة:
 أراك الله فيه ما تريد    ولا برحت معاليه تزيد
فقد دلّت مخايلة على ما         تؤمله وطابعه السعيد
تشوقت الجياد له وهزّ الحسـ  ام هوى وأشرقت البنود
وكيف يخيب شبل قد نمتـه    إلى العلياء ضراغمة أسود
مشوف تراه بدرا في سمـاء     من العليا كوالبه الجنـود
فأنتم آل عامر خير آل           زكا الأبناء منكم والجدود
وليدكم لدى رأي كشيخ        وشيخكم لدى حرب ولين
إن المتمعن في هذه الأبيات سيجد حتما عبارات عذبة وألفاظا رائقة وصياغة جيدة، إنها أبيات قيلت ارتجالا، ومن وحي اللحظة إلا أنها تزخر بالمعاني المدحية التي يفتخر بها أي قائد أو أمير، فقد جعلت من المناسبة فرصة المدح، وأجادت حين جعلت وليد آل عامر ذو رأي سديد وفكر سليم وكأن في مشورته سداد وصلاح، ثم إن شيخهم كالشاب في حالة الحرب ذو بأس وقوة وإقدام، فأي تشبيه وأية مفارقة هذه.
وقد عرفت شاعرتنا بالحياء والاستقامة والمروءة والابتعاد عن كل ما يخدش كرامتها أو يمس كبرياءها، حتى لأنها عزفت عن مخالطة الرجال، وامتنعت عن الزواج.
إن تلك الحياة  الخصبة التي ينعم الناس في ظلها في قرطبة لم تؤثر في شاعرتنا ولم تنزع إلى اللهو العبث والشرب كباقي النساء، بل نرى فيها الإباء والعزة والكبرياء والترفع حتى أنها لم ترض بأن تتزوج من رجل غير كفء لها، فقد تقدم لخطبتها أحد الشعراء وكان ملحا عليها، فكتبت إليه:
أنا لبوة لكنني لا أرتضي    نفسي مناخا طول دهري من أحد
ولو أنني أختار ذلك لم أجب   كليا وكم غلقت سمعي عن أسد
فهي تصور له امتناعها عن خيرة الرجال حسبا ونسبا فكيف ترضى بمن دونهم، فزجرته بشدة وعنّفته لإلحاحه الذي أنقص من قدره في نظرها وصوره ذليلا وضيعا.
ولعل كبرياءها جعلها تبقى بكرا وتموت على هذه الحال ، فقد توفيت وتركت باعا من الكتب والمؤلفات كما زخرت المصادر بشعرها الارتجالي العذب الذي يخلو من التشدق والتزييف.

أبو المطرف بن عميرة الأندلسي.د/سامية جباري


هو أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن الحسين بن عميرة المخزومي، أصله من جزيرة شقر من أعمال بلنسية  ولد بها سنة 582هـ  ولا نكاد نعرف من حياة مترجمنا سوى أنه تتلمذ أولا في مسقط رأسه بلدة شقر على يد والده الذي كان من أعيان البلد وأهل العلم ، ثمّ أخذ عن جماعة من المشايخ من أمثال: أبي الحسن أحمد بن واجب القيسي أبي عمر أحمد بن عات الشاطبي "وأبي بكر عزيز بن خطاب الذي كان له الأثر الكبير في توجيه عقليته من العناية بالحديث والنظر في العلوم العقلية كالمنطق والفلسفة وعلم الكلام وأصول الفقه والطب" .
كما يبين لنا ابن عبد الملك المناحي الثلاثة في الحياة العلمية لأبي المطرف، إذ أنه بدأ أولا بالحديث وروايته ثمّ النظر في العقليات وختمها ببروزه في الأدب وبراعته فيه حيث قال: "إنه كان أول طلبه العلم شديد العناية بشأن الرواية فأكثر من سماع الحديث وأخذه عن مشايخ أهله ثمّ تفنن في العلوم ونظر في أصول الفقه ومال إلى الأداب فبرع فيها براعة عدّ بها من كبراء مجيدي النظم" .
وتذكر المصادر أن لشيخه أبي الربيع الكلاعي الفضل الأكبر في بلوغ ما بلغه من بسطة في العلم وتبحر في الأدب .
ثمّ انتقل أبو المطرف إلى بلنسية وشاطبة ودانية ومرسية وغيرها لطلب العلم ومجالسة العلماء. وبعد أن شبّ واكتمل نضجه الفكري رجع إلى بلنسية قصد الاستقرار.
والجدير بالذكر أن ابن عميرة نشأ في زمن كانت فيه الدولة الموحدية في أوج عظمتها، وقد وطد حكمها في جميع نواحي الأندلس وكانت أيام الناصر وابنه المنصور أعيادا ومواسم يقول في ذلك المراكشي:" ولم تزل أيام أبي يعقوب هذا أعيادا وأعراسا ومواسم كثرة خصب وانتشار أمن ودرور أرزاق واتساع معايش لم ير أهل المغرب أياما قط مثلها" .
فتشوق لخدمة الأمراء ومداخلتهم حتى وصفه ابن عبد الملك أنه شديد التطارح على خدمة الرؤساء ، وهذا ما جعل حياته تتسم بالتقلب والاضطراب فهو حينا في الأندلس ثمّ رحل إلى المغرب وأخيرا استقر بإفريقيا متقلدا منصب الكتابة تارة ومنصب القضاء تارة أخرى.
ففي الأندلس تقلد منصبي الكتابة والقضاء في دار الإمارة مدة ثلاثين سنة (607هـ/637هـ).
كتب عن أمراء الموحدين وسادتهم في إشبيلية وبلنسية ومرسية، منهم السيد أبي عبد الله بن أبي حفص وعن خلفه الأمير زيان بن مردنيش، ثمّ عن القائمين بدعوتهم من بني هود وبين حطاب، بعدما شغل منصب القضاء في مرسية وشاطبة وأريولة .
وفي سنة 637هـ انتقل ابن عميرة إلى المغرب ويقول في ذلك ابن سعيد أنه كان له بها (بر العدوة) تميز وحظوة، ولا يزال ناجح المصادر والموارد ، فاستكتبه الخليفة الرشيد الموحدي بمراكش مدة يسيرة ثمّ صرفه عن الكتابة وولاه قضاء هيلانة ثمّ سلا.
ولما توفي الخليفة الرشيد سنة 640هـ أقره المرتضى على عمله ونقله من قضاء سلا ورباطها إلى قضاء مدينة مكناسة .
فبينما هو كذلك دخلت الدولة الموحدية عصرها الأخير، حيث كثرت الفتن وكثر الخارجون عن الحكم الموحدي من متنازعين وثائرين، وكان ابن عميرة من بين المشاركين في الثورة ضدهم حينما فقد الأمل فيهم، وفكر في أحقية الحفصيين في تونس بالملك منهم وأصبح يتطلع إلى آفاقهم في إفريقيا ، وبدأها بأول خطوة والتي تمثلت في كتابة بيعة باسم سكان مكناسة إلى أبي زكريا حاول من خلالها التقرب من الحفصيين بفصل مكناسة عن الحكم الموحدي وجعلها تابعة لهم.
إلا أن هذه الفتنة لم تدم فقد استرجع الموحدون مكناسة وأخضعوها لحكمهم فوجد ابن عميرة نفسه مضطرا لمغادرة المغرب والالتحاق بالحفصية، فتم له ذلك بعد وفاة المرتضى مباشرة، حيث خرج منها راكبا البحر متوجها نحو إفريقيا، فقدم بجاية واستوطن فيها مدة طويلة قرأ بها ودرس  وكان له بها إنتاج غزي  في النظم والنثر.
ثمّ توجه إلى تونس فمال أولا إلى صحبة الصالحين والزهاد برهة ، وبعدها جنح إلى خدمة الملوك، فنجحت بها وسائله، كما قال ابن الخطيب ، فتولى قضاء قابس والأريس ولبث على هذه الحال إلى أن استدعاه الخليفة إلى حضرته وشاركه مجالس أنسه وداخله مداخلة شديدة حتى تغلب على أكثر أمره .
ونعم في كنفه بالحياة السعيدة، إذ يعبر عن ذلك ابن سعيد بقوله: "والسعادة تلحظه بطرق عنايتها إلى أن صار من المشرفين في مجلس الخلافة المستنصرية، وحل من المكارم والإمكان بالدرجة العلية" ، وظل كذلك حتى وافته المنية سنة ست وخمسين وستمائة 656هـ.
ومن كل ما تقدمه لنا المصادر يمكن القول أن حياة ابن عميرة تميزت بالتقلب وعدم الاستقرار، تقلد خلالها مناصب مختلفة وفي مدن عديدة من الأندلس والمغرب وإفريقيا وشغل مناصب سياسية مهمة، وما رسائله الديوانية إلاّ صورة عن السياسة المنتهجة في كل بلد حل به، وهي تطلعنا على جوانب مهمة من الصراع والتنافس على الحكم بين رؤساء الأندلس والعلاقات الداخلية فيما بينهم وعلاقتهم الخارجية مع جيرانهم المسيحيين أو مع الدول الإسلامية .
ويشهد المؤرخون أنه أوحد عصره، قال عنه المقري:" فأما الكتابة فهو فارسها الذي لا يجارى وصاحب عينها الذي لا يباري"  وقال عنه ابن السيعد:" أنه شيخ كتاب زماننا، وإمام أدباء أواننا"  ، وقال أيضا:" هو الآن عظيم الأندلس في الكتابة" ، أما ابن عبد الملك فقد خصه بقوله:" أما الكتابة فهو علمها المشهور وواحدها الذي عجزت عن ثانيه الدهور" ، كما أثنى عليه محمد ابن مخلوف بقوله:" قدوة الفقهاء وعمدة العلماء النبهاء المتفنن في العلوم الحامل لواء المنثور والمنظوم" ، بينما قال عنه الغبريني "أنه أعلم العلماء وتاج الأدباء" .
من نثره الديواني، مرسوم أصدره الخليفة الموحدي الرشيد بإسكان المهاجرين المسلمين الذين لجأوا إلى مراكش وبقية مدن الأندلس بعد سقوط بلنسية وشقر وشاطبة بيد الإسبان بشعبان سنة637هـ، مما جاء فيه:"… للمتنقلين من أهل بلنسية وجزيرة شقر وشاطبة ومن جرى من سائر بلاد الشرق مجراهم، وعراه من عبر الأيام ما عراهم.. ويلتمس لهم مكانا للقرار ومنزلا لإلقاء عصا التسيار، وعند ذلك أذن لهم أعلى الله إذنه وجدد مجده ويمنه في النقلة إلى رباط الفتح.. وأن يتخذوا مساكنه وأرضه بدلا من مساكنهم وأرضهم بدلا من مساكنهم وأرضهم ويعمروا فيه بدلا يقيل منهم أولي من قبل.."  . وهذه الوثيقة ذات أهمية بالغة في كونها تلقي ضوءا كبيرا على مصير من شردتهم محنة الانهيار من أهل الأندلس وما كانوا يلاقونه من ضروب العطف والترحاب في العدوة المغربية.
وله أيضا، رسالة من أبي جميل زيان إلى ملك قشتالة في مراودة الصلح جاء فيها: "… ورأينا أن نحفظ من الأسباب المرعية على التفصيل والجملة حديثه وقديمه، وحين ترجحت مخاطبتكم من هذا المكان ومفاوضتكم في هذا الشأن، رأينا من تكملة المبرة وتوفيقه العناية التبرة أن ننفذ إليكم من يشافهكم في هذا المعنى، ويذكر من قصدنا ما نولع به ونعني…" .
وله أيضا، بيعة أخذها على أهل شاطبة من الأندلس لأبي جعفر المستنصر بالله العباسي، قام بعقدها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود، صاحب الأندلس، ثمّ أخذ البيعة بعد ذلك عليهم لنفسه وأن يكون ابنه ولي عهده بعده جاء فيها:" لما دعا الناس بالمملكة الفلانية حماها الله إلى حجتهم القوية… وجعل التوكل على  الله  سبحانه وشريعة منيعة وذريعة معينة وتقدم- أيده الله- بأخذ البيعة على نفسه وعلى أهل الملة قاطبة للقائم بأمر الله.. فلم يروا رأيا أشد ولا عملا أحصن وأنشد من أن يطلبوه بعقد البيعة لابنه الواثق بالله المعتصم به أبي بكر محمد بن مجاهد…" .
لم يكن ابن عميرة مترسلا فقط بل كان شاعرا أيضا وكان كثيرا ما يفتتح رسائله بأبيات شعرية يشوق لها السامع حتى أصبح تضمين الشعر ميزة لا تكاد تخلو منها رسائله.
قال في رثاء بلنسية:
ما بال دمعك لا يني مدراره أم ما لقلبك لا يقر قراره
اللوعة بين الضلوع لظاعـن سارت ركائبه وشطّت داره
أم للشّباب تقاذفت أوطـانـه        بعد الدنوّ وأخفقت أوطـاره
أم للزّمان أتى بخطب فـادح      من مثل حادثة خلت أعصاره
ومن شعره البليغ ما صدّر به رسالة أجاب فيها صديقه أبا جعفر بن أمية حين بلغه خبر إستيلاء النصارى على بلنسية:
ألا أيها القلب المصرّح بالوجد أما لك من بادي الصبابة من بدّ
وهل من سلو يرتجى لمتيّـم له لوعة الصّادي وروعة ذي الصدّ
يحنّ إلى نجد وهيهات حرمت صروف اللّيالي أن يعود إلى نـجد.
فيا جيل الريّان لا ريّ بعدمـا عدت غير الأيام عن ذلك الورد
من مؤلفاته كتاب "التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات" رد به على عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني في الكتاب الذي ألفه في إعجاز القرآن وسماه "كتاب التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن" وله تأليف في كائنة ميورقة التي استولى عليها خايمي ملك أرغون سنة 627هـ نحا فيها منحى محمد الأصفهاني في كتابه "الفتح القسي في الفتح القدسي"، واختصار كتب "ثورة المريدين" الذي ألفه عبد الملك بن محمد صاحب الصلاة الباجي.
كما خلف لنا عميرة ديوان رسائل جمعه أولا تلميذه وصديقه أحمد بن شنيف العقيلي ثمّ صارت إلى المؤرخ العربي محمد بن عبد الملك بعد وفاته.
وهكذا توفي الكاتب الفقيه الأديب العالم ابن عميرة عن عمر يناهز الخامسة والسبعين (582هـ/656هـ) تميز خلال حياته بالعطاء الوافر في مجالات شتى حتى أضحى "زينة كل مجلس يحضره وحلية كل مجمع يعمره وحسنة من الحسنات التي لا يجود بها الزمان كثيرا" .

الاثنين، 14 يوليو 2014

أبو جعفر بن عطية الأندلسي.د/سامية جباري

هو الكاتب الوزير أبو جعفر بن جعفر بن محمد بن عطية القضاعي كاتب الدولتين المرابطية والموحدية، أصل أسرته من طرطوشة ثمّ انتقلت إلى دانية ثمّ إلى مراكش .
ولد أبو جعفر بمراكش قاعدة الملك المغربي الأندلسي سنة 517هـ تلقى علومه الأولى على يد والده وطائفة كبيرة من أهل مراكش ، نشأ محبا للعلم، ساعيا لاكتسابه فأجاد الأداب وأساليب الإنشاء، ولا نعرف عن حياة مترجمنا الأولى سوى أنه تدرب على فن الكتابة في الديوان، ووالده كان كاتبا لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، ويبدو أنه لم يكن كاتبه الخاص، لأن الذي تذكره المصادر تؤكد عليه في ترجمة علي بن يوسف أن كاتبه الذي يحظى عنده بالمكانة الخاصة هو أبو محمد بن أسباط.
فهذا الوالد الذي كان أحد كتاب الديوان لا شك أنه قد أخذ ولده منذ نعومة أظافره بأسباب التربية والتعليم ، فهيأه بذلك لتقلّد خطة الكتابة في الدولة اللمتونية حتى أضحى من كتابها البارزين وهو لم يتجاوز سن العشرين على حد قول المراكشي أنه "كان قبل اتصاله بعبد المؤمن وفي الدولة اللمتونية يكتب لعلي بن يوسف في آخر أيامه" ، ولاسيما أن وفاة علي بن يوسف كانت سنة 537هـ وهذا إن صح يدل على نبوغ مبكر لكاتبنا أبي جعفر.
تؤكد مختلف المصادر أنه عمل دون العشرين في ديوان أمير المسلمين علي بن يوسف ثمّ في ديوان ابنه تاشفين وأنه كان مع هذا الأخير بالمغرب الأوسط حين بعثه سنة 539هـ إلى مراكش كاتبا مع ابنه الأمير إبراهيم ، بينما يخالف هذه الحقيقة ابن خلدون وابن الآبار إذ أقرا أن أحمد بن عطية كان كاتبا لإسحاق بن علي فقط وأن والده هو الذي كتب لعلي وابنه تاشفين .
ويبدو أن أبا جعفر كتب لعلي في أواخر حياته حيث قارب كاتبنا سن العشرين فيمكن بذلك القول إن الأب والابن كانا كاتبين معا في البلاط المرابطي لعلي وابنه تاشفين.
فعظم بذلك شأنه وصاهر المرابطين فصار من خاصتهم إلا أن ذلك النعيم لم يدم فقد قربت نهاية دولتهم بتعاقب أمراء ضعفت قيادتهم العسكرية واستهوتهم نضارة الجزيرة فتوالت هزائمهم أمام الموحدين الذين دخلوا مراكش سنة 541هـ فدان لهم المغرب والأندلس ولم يجد حينها ابن عطية أمامه سوى الهروب خوفا من أن ينال أو يلقى مثل مصير والده الذي قتل بسبب إخلاصه لدولته ولأمرائه اللمتونيين.

فلما سقطت مراكش "أخفى نفسه ودخل في غمار الناس وانظم إلى كتائب الموحدين لا يعلم بحقيقته أحد" ، ويضيف ابن الآبار أنه "بلغ به الحد من الاستخفاء والاستتار إلى أن ارتسم في المرتزقين من الرماة" ، وبقي على حاله من التنكر إلى أن ثار محمد بن عبد الله بن هود الماسي بسوس سنة 542هـ، والذي تشبه بالمهدي بن تومرت فتبعه الناس واجتمعت عليه القبائل وبلغت دعوته إلى جميع أقطار المغرب  حتى لم يبق مع عبد الله بن عبد المؤمن بن علي إلا مراكش كما عند صاحب القرطاس أو مراكش وفاس كما عند صاحب الحلل الموشية.
فجهز عبد المؤمن لقتال الثائر جيشا بقيادة يحيى بن اسحاق أنجمار، فلم يلق نجاحا في القضاء على ثورته مما أضطره أن يرسل جيشا آخر بقيادة أبي حفص الهنتاني الذي لم يتوان في القضاء على ثورته فسماه الموحدون سيف الله تشبيها بخالد بن الوليد .
فهذا الانتصار الكبير جعله يفكر في الكتابة إلى أمير المؤمنين مبشرا بالنصر فلم يلق في جميع من استصحبه من يجلي عنه ويوفي ما أراد إلى أن دل على شاب في سلك الجندية يخاطر بشيء من الشعر والأدب والترسل، فاستحضره القائد أبي حفص لكنه تظاهر بالعجز خوفا من أن يكشف أمره، فاشتد عليه أبو حفص حتى قبل إنشائها ، مما جاء فيها:
"وتقدمت به بشارتنا جملة، حيث لم تعط الحال بشرحه مهلة، كان أولئك الضالون المرتدون قد بطروا عدوانا وظلما، واقتطعوا الكفر معنى وإسما وأملى لهم الله ليزدادوا إثمّا… وأخذهم الله بكفرهم وفسادهم فمن يعاين منهم إلاّ من خر صريعا، وسقى الأرض نجيعا، ولقى من أمر الهنديات أمرا فظيعا…"
فجاءت هذه الرسالة "قطعة من البلاغة المتدفقة والبيان الرائع"  وأنفذت إلى عبد المؤمن فقرنت بمحضر أكابر الدولة فعظم بذلك مقدارها، فصدر عنه الجواب مستوصيا بكتابها خيرا وضرورة الإحسان إليه واستصحابه إلى حضرة الخلافة عزيزا مكرما .
ولما دخل عبد المؤمن سأله عن نفسه فلم يجد بدا من إخفاء حقيقة أمره، وقد قابله بالكرم والتسامح وقلده خطة الكتابة وأسند إليه وزارته
ولم يكتف بذلك كما قال ابن الخطيب" فوض إليه النظر في أموره كلها فنهض بأعباء ما فوض إليه وظهر فيه استقلاله وغناؤه"  وصار بعد ذلك من كبار الرجال الذين تناط بهم المسؤوليات وقد أثنى عليه في الإحاطة "كانت وزارته زينا للوقت وكمالا للدولة"  وقد تعدت خدماته ذلك إلى أن شارك في إخماد الثورات بين الحين والآخر ومصاحبة الأمراء في مهامهم السياسية كلما اقتضت الضرورة، فنجده قد ساهم في إخماد ثورة أخواي المهدي بن تومرت اللذين أضمرا الغدر فدخلا مراكش بصحبة الغادرين فوثبوا على يعمر بن تفراكن وقتلوه، ولما علم بذلك عبد المؤمن بعث إلى وزيره ابن عطية واستطاع أن يخمد هذه الفتنة وأن يقبض على زعيميها عيسى وعبد العزيز .
كما قام بعملية تطهير شاملة في مراكش قضى بها على كثير من الخوارج وقتل المارقين، وعلى إثر هذه الحادثة بعث عبد المؤمن إلى الأشياخ والكافة في مختلف قواعد المغرب والأندلس بشرح ظروف هذه الفتنة مبررا وسيلته في الفتك بالخارجين عن طاعته جاء فيها:".. ذلكم أن الأشقياء فلانا وفلانا وأصحابهما كانت نفوسهم الخبيثة كامنة على أذاها، وعيونهم السخية نائمة على قذاها، وفطرهم ناشئة بما مدها من الغلظة ولم نزل بعد الإمام المعصوم المهدي المعلوم  من أول الزمن نحملهم في حجر الكفالة والكفاية، ونجريهم مجاري العناية والحفاية.."
كما ساهم في إخماد فتنة الوهيبي الثائر بألمرية، فبعث الخليفة وزيره أبا جعفر إلى الأندلس صحبة ولده السيد أبو يعقوب يوسف الذي ندبه لولاية إشبيلية، وأمره بعد استقرار ولده أن يتوجه إلى ألمرية.
ففعل ذلك ونجح في إقناع الثائرين بالتسليم على الأمان ودخل الموحدون ألمرية أواخر سنة 552هـ.
وبينما اشتغل الكاتب الوزير بالقيام بمهامه السياسية خلا الجو لحساده فأوغروا صدر الخليفة كما أجمع الرواة على قولهم "عندما خلا منه الجو ومن الخليفة مكانه وجد حساده السبيل إلى التدبير عليه والسعي به حتى أوغروا صدر الخليفة فاستوزر ابن عبد السلام بن محمد الكومي وانبرى لمطالبة ابن عطية وجد في التماس عوراته وتشنيع سقطاته" .
ومن هؤلاء الوشاة ربيب نعمته وأسير فضله مروان بن عبد العزيز الذي نظم أبياتا شعرية وطرحها بمجلس الخليفة مطلعها:
قل للإمام أطال الله مدته قولا تبين لذي لب حقائقه
إن الزّراجين قوم قد وترتهم وطالب الثأر لم تؤمن بواتقه
وللوزير إلى أرائهم ميـل لذلك ما كثرت فيهم علائقه
فبادر الحزم وإطفاء نارهم  فربما عاق عن أمر عوائقه
فكان لهذه الأبيات أثرها على عبد المؤمن فوغر صدره على وزيره إلا أنهم اختلفوا في سبب نكبته وحصروها في أمرين اثنين: منهم من قال أن أبا جعفر لم يوفق في اصطناع الكثير من اللمتونيين وانتشالهم من خمولهم، والأرجح هو السبب الثاني في كون الخليفة أفضى إليه بسر فأفشاه، وذلك أن ابن عطية تزوج بنت أبي بكر بن يوسف بن تاشفين والتي تعرف ببنت الصحراوية وأخوها يحيى فارس المرابطين المشهور عندهم، فحظي يحيى هذا عند الموحدين وقودوه على من وحد من لمتونة، ولم يزل وجيها عندهم مكرما لديهم إلى أن نقلت عنه إلى عبد المؤمن أشياء كان يفعلها وأقوالا كان يقولها أحنقته عليه، فتحدث عبد المؤمن ببعض ذلك في مجلسه وربما هم بالقبض على يحيى هذا، فرأى الوزير أبو جعفر أن يجمع بين المصلحتين، من نصح أميره وتحذير صهره، فقال لامرأته: قولي لأخيك يتحفظ، وإذا دعوناه غدا فليعتل ويظهر المرض وإن قدر على الهروب واللحاق بجزيرة ميورقة فليفعل، فزاره وجوه أصحابه وسألوه عن علته فأسر إلى بعضهم ممن كان يثق بهم ما بلغه من الوزير، فخرج ذلك الرجل الذي أسر إليه ونقل ذلك كله بجملته إلى رجل من ولد عبد المؤمن فكان هذا هو السبب الأكبر في قتله .
وانتهى ذلك كله إلى أبي جعفر وهو بالأندلس فقلق وعدل الانصراف إلى مراكش  وفور وصوله قيد وسيق إلى المسجد حيث صدر أمر الخليفة باعتقاله واعتقال أخيه، فاصطحبهما معه في رحلته إلى قبر المهدي بقرية تينملل، وقد صدرت عن أبي جعفر لطائف شعرية ونثرية رائعة إلاّ أنها لم تفده في شيء، وأمر بقتلهما أمام حصن تاغمرت سنة 553هـ.
من رسائله الاستعطافية رسالة استهلها بأبيات شعرية بليغة:
"عطفا عليّ أمير المؤمنين قد بان العزاء الفرط الهم والحزن
قد اعرقتنا ذنوب كلها لـجـج ورحمة منكم ألجا من السفن
تالله لو أحاطت بي كل خطيئة، ولم تنفك نفسي عن الأخطاء بطيئة" فلما وقف عليها عبد المؤمن وقّع عليها: "الآن عصيت قبل وكنت من المفسدين"
ومن عجيب الاتفاق أن تكون نهايته شبيهة بنهاية جعفر بن يحيى البرمكي وقد أنشده يوما الكاتب أبو بكر محمد بن نصر الأوسي وكان مختصا بالوزير أبي جعفر أنشده مادحا:
أبا جعفر نلت الذي نال جعفر ولا زلت بالعليا تسر وتحبر
عليك لنا فضل وبر وأنعـم ونحن علينا كل مدح يخبـر
فحدث من حضر المجلس أن أبا جعفر تغير وجهه لما أنشده ابن نصر مطلع هذه القصيدة، لأنه كان قد أحس التغير من عبد المؤمن فخشي أن يكون نهايته كنهاية جعفر البرمكي، وقد كانت كذلك .
وإجمالا، يمكن الإشادة بأعماله في الدولتين المرابطية ككاتب ثمّ الموحدية ككاتب ووزير، فاشتهر خلال ذلك "بإجمال السعي للناس واستمالتهم بالإحسان، وعمت صنائعه وفشا معروفه، فكان محمود السيرة، منصب المحاولات، ناجح المساعي، سعيد المآخذ ميسر المآرب" .
وقال عنه ابن الآبار: "صنيعة الإيالة الحفصية على الحقيقة ونشأة عنايتها الكريمة وهدايتها العتيقة بها بهر بهاؤها واشتهر ابتداؤه وانتهاؤه…"
أما عن حياته الأدبية والفكرية، فقد عرف ابن عطية بباعه الكبير شعرا ونثرا، كما عرف بطلاقة اللسان وسلاسة القلم وبسيطة العلم، كما قال ابن الخطيب: "كان كاتبا بليغا سهل المأخذ منقاد القريحة سيال الطبع رائق الخط"  من شعره:
أنوح على نفسي أم أنتظر الصّفحا قد آن أن تنسى الذنوب وأن تمحى
وها أنا في ليل من السّخط حائـر ولااهتدي حتى أرى للرّضى صبحا
كما امتاز ابن عطية في كتاباته بما يجاري أدباء عصره "في انتقاء الألفاظ واستعمال المحسنات والإكثار من الاقتباس والإشارات والتضمين من غير إخلال بالمعنى ولا تقصير في التعبير عن الغرض المقصود  وله عدد وافر من الرسائل الديوانية جمعها ليفي بروفنصال في كتاب مجموع رسائل موحدية.
ومما يدل على براعته الأدبية ما رواه المقري على أن عبد المؤمن امتحن الشعراء لهجاء ابن عطية، فهجوه، فلما أسمعوه أعرض عنهم وقال: "ذهب ابن عطية، وذهب الأدب معه" .

الشعر الشعبي صدى المقاومات والثورات. د/سامية جباري

إنّ الأدب الشعبي كان ولا يزال مرآة صادقة تعكس تاريخ مجتمع من المجتمعات، بل نتعرّف من خلاله على حضارة شعب من الشعوب، وبذلك حاول ولا يزال أن يكون صورة ناطقة متحرّكة، تعبّر عن ثقافة الشعب وطموحاته وتطلّعاته وآماله وآلامه التي أضحى يصوّرها بصدق وجدية، فالأدب الشعبي شعرا وثرا، مهما كان مستواه الفني، ومهما كانت بنيته الدلالية فهو مرتبط شكلاً ومضموناً بقضايا الشعب والواقع، فهو أدب الحياة، يصوّرها أحسن تصوير ويعكس مختلف جوانبها بكل مظاهرها المحسوسة، يرصد نشاطات الناس الاجتماعية والفكرية الثقافية بدقة وأمـانة.
 والأدب الشعبي لا يقتصر على تناول ناحية واحدة من مناحي الحياة ولا يتأثر بظروف معينة في طبيعتها بل تصوغه الأحداث والظروف على اختلاف أنواعها سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو أي ظروف أخرى حتى أضحى نمطا فكريا يبرز حقائق الحياة، بل ويجعلها قطبه تدور حوله الثقافة والتفكير، ليشكل في النهاية منظومة فكرية شعبية إنسانية عظيمة..
فالشعبية، ومن هذا المنطلق ( صفة لكل ما يصدر عن الشعب قولا، ممارسة، سلوكا وتصورا للحياة وللأشياء، ويندرج ضمن هذه الدائرة المفهوماتية لمفهوم الشعبية أيضا كل ما هو موجه للاستهلاك الشعبي، سواء أكان ماديا أو معنويا) 1ـ

والأدب الشعبي جزء من هذه الثقافة الشعبية التي اتخذها أبناء الشعب وسيلة يربطون بها  ماضيهم بحاضرهم محاولين بذلك الحفاظ على تراثهم من الضياع والإهمال أو التشويه، فقد رصد الشاعر الشعبي كل مرحلة من مراحل التاريخ أمته أحداثا ووقائع كانت ولازالت شاهدة على تمسك هذا الإنسان بهويته وبمقوماته وشخصيته العربية والإسلامية.
) لجأ الشعب الجزائري إذن إلى التعبير عن نفسه بالكلمة الشفوية تسجل وتنقل كل صغيرة وكبيرة. وتولَّد عن كل حادث حكاية أو شكوى ينقلها الشعراء والقصاصون من مكان إلى آخر، تنقلها الركبان وتتلقفها الأذهان لتعبر عن وضع مأساوي تعيشه الجماهير الشعبية وتتفاعل معه،( 2.
 من هذا المنطلق أرتأيت ان انظر في تاريخنا المجيد إبان الاستعمار الفرنسي لأستقصي ملامح الثورة والنضال من  خلال المقاومات وكذا ثورة التحرير المباركة التي واكب أحداثها الشعر الشعبي من خلال رواده الذين سعوا لأجل المحافظة على الدين والوطن، لنتعرف عن قرب عن ارتباطه بتطور المقاومة الشعبية في الجزائر، حيث يستشف من بعض نصوصه أن أصحابه دعوا إلى ضرورة ربط الواقع المؤلم بالماضي المجيد، كما دعوا إلى ضرورة المحافظة على مقومات الشخصية القومية، لأنها كانت تشكل المناعة ضد محاولات الذوبان التي عمل الاحتلال الفرنسي لفرضها على الشعب الجزائري.
)قام الشعر الشعبي بدوره في تحريك عجلة المقاومة، من ذلك استعادة المجد السالف للتمسك به واحتضانه خوفا من ضياع ذكراه في ظروف القهر والطغيان. (3
 فصوروا ألامهم وأمالهم، ورصدوا خطوات وبطولات المجاهدين، احتضنوا الثورة وعاشوا همومها ومكاسبها، وعاينوا عن كثب أحداثها ووقائعها لينقلوها للأجيال اللاحقة عن طريق شعرهم. لقد صحب الأدب الشعبي المقاومَة المسلحة في حينها، أما عندما اخمدت هذه المقاومات فإنه لم يخمد، بل واصل نضاله على الدوام، إنها )المقاومة الأدبية التي كانت تأتي على ألسنة الشعراء والمداحين من القصاص وشعراء الملحون الذين كانوا يجتمعون بمناسبة المواسم والأسواق وغيرها ليثيروا عواطف الناس، ويذكروهم بالغزوات والفتوحات الإسلامية بكلام موزون، يستحثون هممهم ويثيرون فيهم الحماس ليثبتوا على جهادهم ونضالهم ضد المستعمر الغاصب، وأن الإرادة الإلهية ستبعث فيهم ذات . يوم منقذا على أية حال(  4
 فتعددت أغراض قصائدهم الشعبية فهناك قصائد ينحصر موضوعها في التحريض على االجهاد والدعوة للكفاح ضد العدو المحتل، وهناك قصائد تنحصر مضامينها في البكاء والتحسر، وهناك أخرى تشيد بالأمجاد والبطولات، وأخرى تتغنى بالحرية والاستقلال.
وهذا نوع من النضال كما أشار إليه  أبو القاسم سعد الله قائلا ):  وقد ناضلت النخبة التقليدية الجزائرية بواسطة الأدب الشعبي والقصص الوطني والتعلق الغامض بالماضي،وتحميس الفخر الوطني(  5
 ) لقد أدرك المستعمر الخطر الذي يمثله الأدب الشعبي،وأنه أشد خطرا من الأدب الرسمي الذي استطاع أن يزيفه وأن يسيطر على تعلمه وتداوله وتدارسه( 6
 أوجه تفاعل الشعر الشعبي مع المقاومات والثورات:
وفيما يلي أوجه تفاعل الشعر الشعبي مع المقاومات الشعبية وكذا ثورة التحرير نوجز بعضها في الأغراض التالية:
1* رثاء مدينة الجزائر عند احتلالها من قبل المستعمر الفرنسي:
لقد كان لدخول المستعمر الفرنسي أثره البالغ في نفسية الشعب الجزائري الذي ما فتئ ينكر اغتصاب أرضه وطمس هويته، فتحركت قريحة الشاعر الشعبي مصورا ألمه بالمصاب الجلل الذي أرداه حزينا كئيبا يتذكر أيام الحرية ويستنكر الحال الذي أضحت عليها بلاده من بين هؤلاء نذكر الشاعر الشعبي عبد القادر الوهراني يرثي مدينة الجزائر بعد احتلالها من قبل الفرنسيين في قصيدة طويلة نقتطف منها:
الأيام يا خواني تبدل ساعتها            والدهر ينقلب ويولي فالحين
بعد أن كان سنجاق البهجة وأوجاقها    الأجناس تخافها في البر وبحرين
الفرنسيس حركلها وخذاها              لا هي ميات مركب لا هي ميتين
بسفاينه يفرص البحر قبالها             كي جا من البحر بجنود قويين
غاب الحساب وادرك وتلف حسابها    الروم جاو للبهجة مشتدين
               راني عالجزاير يا ناس حزين 7
2* التغني بالأمجاد والثورات:
انه لمن دواعي إثارة الهمم وايقاظ الروح الوطنية تذكر الأبطال الذين ضحوا من أجل التصدي للعدو الغاشم ثم التغني ببطولاتهم لما تحمل من دلالات عميقة في البذل والعطاء من أجل أن تحيا الجزائر حرة أبية إذ لا يخلو بيت من البيوت الجزائرية من بطل أو زعيم أو جندي محارب واجهوا المستعمرين بكل ما أوتوا من وسائل، فناصرتهم الجماهير الشعبية ودعمتهم لأنها رأت فيهم المعبر عما كانوا يتمنون القيام به.
) لقد تمثلت المخيلة الشعبية البطل نموذجا مثاليا في ذاكرتها الجماعية، ذا قوة مادية ومعنوية يستعملها لتحقيق أهداف الأمة، وقد جعلت المخيلة الشعبية البطل يتمتع بمواهب خاصة تميزه عن غيره من الناس العاديين، كالدفاع عن الضعيف وإغاثة الملهوف وإطعام الجائع ونصرة المظلوم( 8
ونرصد من بين تلك البطولات الي خلدها التاريخ ومجدتها الأمم :
* بطولة الشيخ بو عمامة:
 التي يصورها الشاعر اَلمهناني مستعيدا ذكريات انتصارات الشيخ بوعمامة في مقاومته للمستعمر في موقعة تيقري وفندي يقول فيها:
لوشتوم ما فعل بشينين الديوان     لو كنتم يوم تيقري وخبر فندي
تشاهدوا ما فعل الشيخ بوعمامة    بالماريشال ليـوتـــي 9
*معركة دغامشة:
ويستعيد الشاعر الشعبي بوتقي عبد النبي بن محمد موسى ذكريات انتصار أهل عين صالح على الفرنسيين في معركة الدغامشة سنة 1899 و 1900 م ويقول:
ابعث بو شاطة يطلب التسيار          وحلفنا باليمين لا صارت ليينا
في أول رمضان يوم الجمعة آخر      النهار قلنا له الى غدا يا تاتينا
وضربناه من البعد ورجع على الادبار   ومشى غضبان مسود المغبانتا
وارفد موتاته فوق بيبان النجار        ودفنهم قبلة عين صالح جبانه 10
*الانتصار في معركة الشلالة:
وعن معركة أولاد سيدي الشيخ يقول شاعر مجهول:
يا الحاضر عود الاخبار واشته صار   على نهار الشلالة في الزمان معدود
على نهار الشلالة خرجت المحلة      جات ثمة الخيالة ما بقى المجحود
راه في الشلالة محصور بين القصور  مر ذا الكلب غدا مدمور سحقه البارود 11
*مقاومة المقراني:
  التي نالت حظها من الإعجاب فتغنى الشاعر الشعبي ببطولة قائدها الذي اختار الجهاد والموت في سبيل الله خير من البقاء في ذلة.
في قصيدة نقتطف منها ما يلي:
قال العزيز الحدا د      يالكرا م يا لا جوا د
من الظُّلم  والفسا د     شعبنا ننْقذوه
فرسان غزا ر  شدا د   في وجوه العناد
نحْفروا له الاْلحاد       نخليوا دا ر بوه
المقراني بسلاح     عول  عَلى الكفا ح
قام  ودا ر البَرا  ح    يا أهلي المُوت خير 12

*مظاهرات 11 ديسمبر:
كما كان لأحداث مظاهرات 11ديسمبر أثرها في الشعر الشعبي إذ تفاعل معها بكل أحاسيسه متفائلا بالنصر الذي يأتي بعد هذه الثورة وقد أكد الشاعر محمد الصالح لوصيف شعبية هذه المظاهرات معظما وممجدا الشعب الثائر قائلا:
أعظم مظاهرة في حداش ديسمبر            وخرج شعب الجزائر رجال ونسوان
في مركز أولاد سلام هجمو على العسكر      لعدو اضرب بالرشاش وزاد الطيران
النساء زغرتت والرجال ايناديو الله أكبر       في البيضة  دهموهم كبار وشبان13
3*التغني بالبطولة والشجاعة:
اهتم الشاعر الشعبي بذكر البطولات وتخليد ذكرى الأمجاد مشيدا بما قدمه هؤلاء من إقدام وبسالة في مواجهة العدو شبابا ورجالا ونساء وحتى الأطفال شاركوا في حماية الوطن. وهاهو شاعر مجهول يدعو الجنرا ل ديغول إلى الاعتراف بالأمر الواقع والانسحاب من الجزائر، مشيرا إلى الشباب الذين وهبوا حياتهم من أجل الحرية والاستقلال فيقول:
سلم يا ديغول هذاك اللي كان   الجزاير ولدت جيل راسه عريان14
ويدخل في هذا الاطار ما تغنى به الشاعر محمد بلخير مشيدا ببطولة المجاهدين واستبسالهم من أجل تحرير الجزائر فيقول:
احنا مجاهدين ماهو قول ضعيف    تبعنا ما قال ربي في القرآن
واحنا بارودنا عالبارود خفيف    بتوانس نضربوا على شوفة الاعيان
احنا سقنا من كسال القرن عريف   وفينا الروم بين ماضي والويدان
ماتت منا حداعش فراسين الحيف      ميتين ونص بين كفرة ومزان
واحنا الناس تهترف بينا اتهتريف   وشوايعنا من الدزاير للسودان 15
وقد شهدت الجزائر في مرحلة الاستعمار عدة ثورات ومقاومات شعبية تمرر رسائل للمستعمر على ان الشعب لا ولن يرضى بالدخيل الأجنبي الذي اغتصب أرضه وانتهك عرضه ومحى مقوماته، فتزداد قوة الشعب بانتصاراته التي يغتنمها الشاعر الشعبي ليلهب عواطف الناس لأجل الاستمرار في النضال فرحين بالانتصار مثال ذلك ما قاله محمد روّاق عند انتصار الشعب الجزائري في مظاهراته ضد المستعمر الغاشم و ثورته على الظلم والطغيان الفرنسي ، يقول:
ما أحلى هذا المنظر كان اليوم الحرب مطور
لازمني نشعر والشعب إهلل و اكَبرْ
العلم أخْضَرْ منور آمنا بالوطن تحرر 16
وما قاله آخر في بسالة الجيوش المقدامة:
لا لا يا شجرة الكروش       مليانة حب و كرتوش
اﻟﻤﺠاهدين جيوش جيوش     لزدموا ما يخافوش
لا لا يا شجرة العرعار       ياللي مليانة سلاح وانار
هذوك ذراري ثوار           على دينهم زدموا للنار
لا لا يا الجبل المظلم      و لبياسة في ومضة تتكلم
اليوطنة يبايع و سلم         و القبطان هزوه مشلم 17
4*الثقة في نصر الله:
     يبدو الدين في شعر هؤلاء الشعراء عنصرا أساسيا ،وموضوعا بارزا ، خوفا عليه من أن يجتثه المستعمر ضمن خطته الاستعمارية الهادفة الى طمس معالم الشخصية الاسلامية العربية ومحو مقومات الشعب الحر الأبي، لذلك أصبح الدين  بالنسبة للثورة يواكب تماما البندقية  فكم من شهيد سقط لأجل كلمة " الله أكبر " ، و كم من مجاهد تجند من اجل عبارة " الجهاد في سبيل الله " .
     و لعلنا لو عدنا إلى الوثائق المخطوطة التي هي في شكل رسالة  أو خطاب أو تقرير ، أو عبارة عن المخطوطات لوجدنا سيطرة هذا العنصر عليها سيطرة تامة ،يستمد منها المجاهد قوته وكله ثقة في نصر الله .
سجل يا تاريخ لمعاركنا         واكتب للبنين ذكرى للاباة
اشهدوا عنا يا اجيالنا           ماذا عدينا من الصعوبات
للدين والوطن أحنايا جاهدنا      كمثل الأجداد في وقت السادات
في كل الأعمال ربي ناصرنا    حنا جند ليه في ساير الوقات
نصره محقق بيه واعدنا         بالفعل شفنا عدة بينات  18
ويقول أخر:
الشجاعة و الصبر منهم حد خلاص      افهم لعقاب ما تعابيه الرخمه
كي تكثر كي اتقل لا من عندو باس      نصرة ربي مع اﻟﻤﺠاهد ديمه
يا من امرك بين كافيتك و النون         انت القدير بيك تسغاث الامه
كن لنايا الله بفضلك في العون و      انظر للمومنين بعين الرحمه المقدمة
5*الجهاد واستنهاض الهمم:
كان رد فعل الشعب الجزائري على سياسة فرنسا لتجهيله وتفقيره هو قيام فئة من متعلميه التقليديين بحمل لواء
المقاومة بطريقتهم الخاصة. وقد واكب الشعر الشعبي هذه المقاومات محرضا على القتال ملهبا العواطف موقظا للهمم مذكرا بالامجاد والبطولات مستلهما من المجاهدين الأوائل والصحابة الكرام روح الاستماتة في سبيل إعلاء كلمة الله.
وها هو شاعر شعبي مجهول يدعو للثورة ويحرض على الجهاد، ويمني القتلى بالجنة والقصور وبحور العين وأن ما عند الله هو خير وأبقى، قال:
باسم الله بديت نقول  صلوا على الرسول
للي مات الجنة والقصور وسبعين من بنات الحور
يا ناس انصروا الدين وموتوا بالمائة والمائتين
بركانا من الموت الشين على الشهوة والدنيا للاثنين 19
ويقول الشاعر البشير الجريري في قصيدة يمدح فيها الشيخ بوعمامة محرضا على القتال والجهاد:
كان ما جاهدتوا تسموا  مزانات
والجهاد حلال اللي جاه في بلاده
البرية جات والرسالة تقرا ت
كل  شي ثم مولانا دارله  حدوده
راهي موت القايم خير من الحياة
والذل ما ربي نزُله إلا على يهوده  20
وهاهو الشاعر الشعبي محمد بلعباس يثير حماس الشعب والمجاهدين معا خلال الثورة التحريرية الأخيرة ويقول:
اعلى وطن الجزاير نهونوا الاعمار     ولو نفناوا كل  ما يبقى واحد
انطهروا ذا البلاد من ذا الاستعمار    رجال ونساء على الوطن تجاهد
في الربعة وخمسين تاريخ مسطر       فاتح نوفمبر ذا الشهر مقيد
للثورة خرجوا ابطال ناس احرار        منهم الاستعمار ولا يترعد 21
وتعتبر البسالة والشجاعة صفة ملازمة للمجاهدين اينما كانوا حتى وإن بغثهم العدو فجأة تجدهم على أهبة الاستعداد فالموت عندهم خير من العار،مثال ذلك عندما التقى المجاهدون بعدد هائل من الجيش الفرنسي على غفلة بمكان يسمى (بوحمامة) ورغم قلة المجاهدين اختاروا الحرب.. حفاظا على كرامتهم و كرامة جيش التحرير الوطني, لان تراجعهم وصمة عار ستلاحقهم أحياء أو موتى.

جبيت على بوحمامــة       لقيت لعسكر اغمامة
يا خوتي واش مالهانة       اولاد الشهدا ليتامــى
اذا قدمنا شعلت النـــار      اذا وخرنا هذاك العار
وتغنى عدد من الشعراء بالوطن والجبل رمز الحرية والصمود، ورفع العلم علامة الانتصار ولم ينسوا المقاومة والجهاد رابطين ذلك بالنعيم الذي ينتظرهم في الدنيا والأخرة. يقول أحدهم متباهي ببلاده الجزائر:          
     بلادي يا بلادي        عليك بنيت ساسي
    على جالك خرجت       خليت أم اولادي
     فرانسا ما خلاتلي غير   جلدي على عظامي
بإسم المولى القدير      و النبي الشفيع الأخير
و دم الأجداد والأحباب    اللي تخلط في التراب
ﻧﻬز ليلبياسه وفي الجبل   نضرب بالرصاصة
لعدو اللي هدم بلادي    وخلاها في الميزرية تنادي
لازم نجيبوا الحرية يا      ولاة الزهرة الاوراسيه  22
ويقول آخر:
ياللي أتحب لافريك دينور     شاركنا في الوطنية
ندافع على الدرابو المنصور   انتاع الدولة الإسلامية
درابنا ديما منصور          بلا طيارة بلا بابور
بركت ربي و الرسول      آحنا اللي نجيب الحرية
درابونا نجمة وهلال        نقومو ليه نساء وا رجال
إذا ما كفناش الحال       انخلو التاريخ للذرية
شوفوا شوفوا يا لولاد     الناس اللي خانوا البلاد
خشان الرؤوس و القياد    زادوا معاهم القومية
فرنسا يا عرت لجناس    كي حكمت خمسة رياس
قالت هذ الحرب اخلاص   الجزائر من بكري ليا
كي جانا بولعيد           جابنا نظام جديد
ربي يرحم الشهيد         والشهداء بكلية
احشموا يا هذا الناس      بركاو القرعة والكاس
بقينا ا حنا عرت لجناس   غير احنا بلا حرية
درابونا لحمر و حرير      أرماتو العكري في البئر
قمنا ليه اصغير و اكبير     انخليو التاريخ للذريه  23

6*التغني بالحرية و الفرح بالاستقلال :
كان من الطبيعي ان يسجل الشعر الشعبي فرحة الانتصار ونشوته، فقد شارك المجاهدين ثورتهم بالمعركة الشفوية التي الهبت العواطف وصورت مأساة الشعب وجسدت احلامه بالكلمة الهادفة المعبرة فكان لزاما ان يجني ثمار الثورة فيفرح بالانتصار ويتغنى به
يقول "الهادي جاب الله" :
جزاير مبروك عليك       استقــــلال الكامل ليك
مبـــروك الدوله اللي       عطاها لك ربي المولى
جابوها رجالة فحوله      هم ضحـــوا بالدم عليك
غرسوا شجرة للحرية      سقيتيها بدمـــعة عينيك

ويقول أيضا :
بادي بسم الله نستعين بيه      والصلاة على الهادي نبينا
هذا يومك يا دزاير قمت فيه    ولت فيه بلادنا رجعت لينا

ويعتبر العلم من الرموز العظيمة التي تغنى بها الشاعر الشعبي يستلهم منه الحرية والانطلاقة نحو عيش مستقر فرفع العلم دلالة على الفرحة بالنصر والتمكين. يقول أحد الشعراء:
علمنا منصور             لا طيارة لا بابور
بقدرة ربي و الرسول       آحنا اللي انجيبو الحرية
علامنا نجمة وهلال       رفعناه على الجبال
قمنا بيه أنساء ورجال       احنا اللي انجيبوا الحرية
علمنا اخضر و احرير    لحتو العكري في البير
انقوموا بيه اكبير وصغير   احنا اللي انجيبوا الحرية 24
حتى المدن التي حققت انتصارات لقيت حظها من الذكر والتمجيد، يقول احدهم في متليلي:
يامتليلي جبتي ارجال قويه       تاريخك معروف واحد ماينساه
ياوطن الجهاد البطولية الولد      اللي يكبر إنسي في باباه
يا الشعانبة لحرار عز النيفية الشكر   إو اتيكم الا انتم الغير أعلاه
تتفخر بكم الصحراء الجزائرية     قولا و فعل التاريخ أقريناه
ضحيتو باولادكم عالحرية        أميا و ثلاثين شهيد أحسبناه
خرجتو لستعمار جبتو الحرية     الجيش الفرنسي خرج يبكي مقواه
كسرتو صاله اوليد الرومية      لقنتولو درس ماعادش ينساه
تتفخر بكم شعوب افريقيا       حررتوها أنتم في سبيل الله  25

7*الدعوة إلى توحيد الصف:
 يذكر الشاعر في كلامه بضرورة الوحدة بين أفراد المجتمع ككل فالشعب واحد والمنطلق واحد والغاية واحدة، ولأجل تحقيق القوة والنصر فلابد من التآزر والتوحد تحت راية واحدة لأن الفرقة لا تحقق الانتصار فجسد الشاعر هذه المعاني لانها سبيل الخلاص
 من ذلك ما قاله الشاعر محمد عبابسة الاخضري داعيا إلى الوحدة بين فصائل الحركات الجزائرية في النصف الأول من القرن ، العشرين، وخاصة بعد انعقاد المؤتمر الإسلامي سنة 1936 ويقول مخاطبا الجزائر بني مز غنة:
باتحادك راكي تفوزي    تدي ما طلبتي وتحوزي
حقك راكي تزيدي تحوزي  صراط الذل المهجور
باتحادك يقوى عزمك    باتحادك ينصف خصمك
باتحادك تدي سهمك    وتعيشي العيش المبرور
الاتحاد الاتحاد هو السيف الماضي  الحاد فيه القوة وفيه الزاد
          هو الحصن وهو السور 26
يقول الشاعر "عثمان بوقطاية" على لسان الدكتور " لخذاري" و هو محام في مدينة بسكرة :
ناض الدكـــتور          "لخذاري"مجرب مشهور
خطب في الجمهور     باللغة الفرانســـوية
قـال:مسيو ، دام        كفوا من هذا الخصام
أتعلمــوا النظام         بركاكم من الهمـجيه
ضحــكتوا الغير هذا      منكم عيب كبير
اتحـــدوا خير أتولي       صوالحكم مقضيه

التغني و الفرحة بثورة نوفمبر 1954 :
احتلت ثورة نوفمبر في الذاكرة الشعبية مكانة كبيرة حيث تغنى الشعراء ببطولة مفجريها وحملة الجهاد فيها، واعتبروها سبيل الخلاص من همجية المستعمر وعلى انها عنوان البطولة والنصر الأكيد الذي جاء بعد صمت طويل ليعلن على ان الشعب الجزائر يلا يرضى بغير الجزائر وطنا حرا ولا يقبل المساومة على مبادئة ومقومات شخصيته.
يقول الشاعر "سالم الشبوكي" في قصيدته " نوفمبر في الأعوام " :
إمامها في المنبر أنت في الأعوام
أنت في السماء قطب لا يتغيـر
أنت في الثراء بركان ناروا أتفجر
في أول طلقة حرة من الرصاص أمعبر
بارودها متلاحق والأرواح أتكبر
و الدم أحمر غامق على الصخور أمحدر
و المؤذن ناطق بالله الـــله أكبر
المؤذن زاد إيمانو راضي باللي امقدر
والخاين لابس قومي للبيعـــات ايبكر

الصحافة صبحت تنشر و الإذاعـــة اتخبر
واتعـــرف بالجزائر عنوانــــها مكبر
واتفطن في الشعوب عقلــها كان امخدر
واتنادي للتـــاريخ هيا سجل و احصر
أنظر للجـــــهاد في الجبــال أتقرر
الشعب أبكلــو نادى على طـرد المعمر
ثوره واتحـــــاد بالمسمـار امسمر
حياة و استشـــهاد و اللي اتكسر يجبر
عهد الحـــرية عاد والاستعمار تبعثر

غرة نوفمبر  
غرة نوفمبر الجزائر شعشع لزدهار   في العام الذكرى نيحوها نقمة فالاستعمار
غرة نوفمبر سموها أمليها تفزع و     يجوها دول العربيه يحيوها كل ليلة و ﻧﻬار
              لعلمات إترفرف هزوها ويهاتو بلحرار
غرة نوفمبر دللها عيد الجزائر تستهلها    يا غافل بالك تجهلها و تصنط لخبار
كل ليله تشوف زلزالها شعلت فيها النار   و في حق اولاد العربية إهزوا الاستحرار
           أنولوا دولة عربية و علمنا يخضار 27

يا وطني عليك أنظمت الاشعار
با وطني عليك نظمت الاشعار تاريخ الثورة مسجل في الكراس
يالجزائر يالغالية أم الثوار أول رصاصة أنطلقت من لوراس
يا أعز الرجال ضد الاستعمار ثورة التحرير أطرحتو ليها الساس
واتسجل تاريخ يبقى للصغار الجزائر كاتباتو بالنحاس
في اول نوفمبر هذا الشيء صار الرابعة و الخميس تاريخ الحماس
قلتو بأسم الله سبلتو لعمار في حب الوطن ارخصتو لنفاس
قلتو للجهاد الله اكبر أنتشر لخبر أوسمعت به الناس
أمشات الثورة و انتشرت لخبار في جميع القطرو صلت كل أبلاس
شمال أو جنوب يمين أويسارا الجزائر كافة مثل التراس
فيالصحراء و التل قام الشعب اجهاراليد مع اليد متحد لباس
سبع أسنين و نصف ما حبستش النار حلف الاطلسي أﺗﻬرس قال اخلاص
افشل سلم ما قدرش على الثورة أسقط لستعمار تقطع ليه الراس
هز أولادو لاحهم شق لبحار أخرج يا خبيث من بلاد الناس
في خمس أجويليا أطلع علينا النهار و أتصبحنا أحرار مرفوعين الراس
طلعت رايتنا على سطح الجدار    بالنجمة او هلال في وسطها بقاس
ارحم يا ربي الشهداء لبرار        ديرالهم في جنة الفردوس ابلاس
جوار الرسول طه بولنور         محمد شفيعنا يوم الخلاص
مع حور العين أزواج الابرار      باللؤلؤ و اليقوات في أفخر لباس
اللي حررو لوطن رغم عالكفار    الجزائر طهروها من لنجاس
من بعد الحرية انولو يا حضار    الوطن نبنوه من بعد التهراس
اليد مع اليد كبار و صغار       نبني جزائر جديدة بأخلاص
ارجعو بلادنا جنة تخضار     نرفعوا ليها شاﻧﻬا أمام الناس 28
الخــاتــمـة:
هكذا إذن كان الأدب الشعبي دائما دعامة للكفاح المسلح وروحا ينبض بالحياة مذكرا بالوطن والوطنية حين يخفق صوت السلاح. لقد حافظ الأدب الشعبي على روح المقاومة عن طريق أخبار أبطال قاموا بأدوار بارزة، فيها شهامة وعزة وفيها رفض وإباء. لقد حاول رواد الأدب الشعبي بفنونه وأغراضه الوقوف ضد تيار التغريب باستنهاض الهمم والدعوة إلى الجهاد مستلهمين طاقتهم من إيمانهم العميق برسالتهم وأن النصر والتمكين لامحال سيكون من نصيبهم.
ولذلك تمكن الشعب الجزائري من الصمود بوسائل مختلفة في وجه عدو لا يرحم، فحافظ على خصوصيته وذاتيته، ولم يتمكن ذلك العدو من دمجه وإلحاقه ببلده رغم وسائله الضخمة المتطورة.
فعلا يعد التراث الشعبي ذاكرة الشعوب نستلهم منه المعاني ونستمد منه الدروس في مختلف مناحي الحياة ومن خلاله يمكن أن نستحلي معالم الحضارات والثقافات المتعاقبة، كما نستوحي منه أيضا ملامح المجتمعات، إذ ليس هناك ما يفصل الأدب عن الحياة ومتقلباتها، كيف لا والأدب كما نعلم مرآة عاكسة له قيمته ومكانته وكذا أهميته.

الأربعاء، 2 يوليو 2014

صفحة مميّزة. د/سامية جباري

صفحات كثيرة طويناها في حياتنا ورمينا بكراساتها عرض الحائط، اقلام كثيرة جفّت ولم يعد الحبر فيها مدادا، مكتبتي خلت رفوفها من بعض انجازاتي، الا انني احتفظ بصفحة مميّزة في كراس خاص وقلم نادر على سطح مكتبي انظر فيها كل اللحظات اتمعن سطورها التي تحكي قصة لا تشبه القصص؟؟ تأخذني حروفها الى زمن ليس ككل الازمنة انها قصة حياة تنبض بالحياة ؟؟؟؟؟؟