هي عائشة بنت أحد بن محمد بن قادم، قرطبية المنشأ، تأدبّت على عديد من العلماء حتى صارت عديدة زمانها، علمًا وأدبا وعدت من أشهر نساء عصرها، فهي عالمة أديبة شاعرة، فصيحة اللسان حسنة الخط قال عنها المقري نقلا عن ابن حيان وابن سعيد أنها:
"لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعدلها علمًا وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة تمدح ملوك الأندلس وتخاطبهم وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف" وقد توفيت بكرا لم تتزوج في حدود سنة 40هـ.
أمّا في مجال الشعر فقد كانت المرتحلة ارتجالا، وتنظمه قويا جزلا بسرعة بديهة وخاطر، فقد دخلت يومًا على المظفر بن المنصور بن أبي عامر وبين يديه ابن له فارتجلت قائلة:
أراك الله فيه ما تريد ولا برحت معاليه تزيد
فقد دلّت مخايلة على ما تؤمله وطابعه السعيد
تشوقت الجياد له وهزّ الحسـ ام هوى وأشرقت البنود
وكيف يخيب شبل قد نمتـه إلى العلياء ضراغمة أسود
مشوف تراه بدرا في سمـاء من العليا كوالبه الجنـود
فأنتم آل عامر خير آل زكا الأبناء منكم والجدود
وليدكم لدى رأي كشيخ وشيخكم لدى حرب ولين
إن المتمعن في هذه الأبيات سيجد حتما عبارات عذبة وألفاظا رائقة وصياغة جيدة، إنها أبيات قيلت ارتجالا، ومن وحي اللحظة إلا أنها تزخر بالمعاني المدحية التي يفتخر بها أي قائد أو أمير، فقد جعلت من المناسبة فرصة المدح، وأجادت حين جعلت وليد آل عامر ذو رأي سديد وفكر سليم وكأن في مشورته سداد وصلاح، ثم إن شيخهم كالشاب في حالة الحرب ذو بأس وقوة وإقدام، فأي تشبيه وأية مفارقة هذه.
وقد عرفت شاعرتنا بالحياء والاستقامة والمروءة والابتعاد عن كل ما يخدش كرامتها أو يمس كبرياءها، حتى لأنها عزفت عن مخالطة الرجال، وامتنعت عن الزواج.
إن تلك الحياة الخصبة التي ينعم الناس في ظلها في قرطبة لم تؤثر في شاعرتنا ولم تنزع إلى اللهو العبث والشرب كباقي النساء، بل نرى فيها الإباء والعزة والكبرياء والترفع حتى أنها لم ترض بأن تتزوج من رجل غير كفء لها، فقد تقدم لخطبتها أحد الشعراء وكان ملحا عليها، فكتبت إليه:
أنا لبوة لكنني لا أرتضي نفسي مناخا طول دهري من أحد
ولو أنني أختار ذلك لم أجب كليا وكم غلقت سمعي عن أسد
فهي تصور له امتناعها عن خيرة الرجال حسبا ونسبا فكيف ترضى بمن دونهم، فزجرته بشدة وعنّفته لإلحاحه الذي أنقص من قدره في نظرها وصوره ذليلا وضيعا.
ولعل كبرياءها جعلها تبقى بكرا وتموت على هذه الحال ، فقد توفيت وتركت باعا من الكتب والمؤلفات كما زخرت المصادر بشعرها الارتجالي العذب الذي يخلو من التشدق والتزييف.