الإيجاز والإطناب:
يخضع أسلوب الإيجاز والإطناب في مجموع
الرسائل الديوانية المتوافرة لدينا بالدرجة الأولى إلى الموقف الذي يستدعي الكتابة
الديوانية، وقد علق على هذه الظاهرة عدة مؤلفين اختلفت نظرتهم في مواضع متعددة.
فقد ذكر القلقشندي أنه من بين المواقف التي
تستدعي الإيجاز أن يكون المكتوب له عن السلطان أمرا أو نهيا[1]، وإذا
تصفحنا رسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجد من الرسائل ما تتطلب الإيجاز،
ومنها ما تستدعي الإطناب أو تكون اعتدالا بينهما، ولنا مثال عن ذلك، فرسالة علي بن
يوسف بن تاشفين من مراكش إلى نائبه أبي محمد بن فاطمة يأمره بإقامة الحق[2] فهي
متوسطة بين الإيجاز والإطناب.
بينما وردت رسائل الفصول[3] في
الموضوع ذاته مطولة كرسالة أبي يعقوب إلى أبي سعيد ضمنها طائفة من النصائح اتبع
فيها أسلوب الإطناب[4].
ويعلق الكلاعي عن دواعي الإطناب بقوله:"
ما يكتب به عن عامة وتفرع به آذان جماعة كالصلح بين العشائر والتحضيض على الحرب
والتحذير من المعصية والترغيب في الطاعة"[5]، فإذا
حاولنا تطبيق قوله على نصوص الرسائل الديوانية فإننا نجد خلاف ذلك في مواضع عديدة
منها رسالة عن أمير المؤمنين وناصر الدين إلى أهل إشبيلية سنة اثنتي عشرة
وخمسمائة(512هـ) يحثهم فيها على التماسك والتناصح، واجتناب الفرقة والشقاق جاءت
معتدلة[6].
ثم يضيف الكلاعي عن
الإيجاز فيقول أنه: " يخاطب به أهل الرتب العالية، والهمم السامية"[7]، كما
جاء في رسالة يوسف بن تاشفين إلى ألفونسو لما خرج إلى ملاقاته في سهل الزلاقة جاءت
مختصرة، حيث أجابه بقوله: " وبلغنا يا أذفونش أنك دعوت في الاجتماع بك وتمنيت
أن يكون فلك أن تعبر البحر علينا إلينا،
فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه الفرصة بيننا وبينك، سترى عاقبة دعائك ما دعاء
الكافرين إلا في ضلال"[8].
لكن الإيجاز في مخاطبة أهل الرتب السامية لم
يكن أسلوبا معتمدا في جميع الحالات، فرسالة عبد الرحمن الأوسط إلى (ثيوفلس)
إمبراطور بيزنطة جاءت على أسلوب الإطناب[9]،
بينما وردت معظم الرسائل الديوانية الموجهة من سلاطين غرناطة إلى ملوك النصارى،
المجموعة في كتاب الحلل السندسية على أسلوب الإطناب"[10].
والملاحظة نفسها نلمحها في رسائل الغني بالله
إلى السلطان المريني[11]،
وبهذا يمكن القول إن أسلوب الإيجاز والإطناب في الكتابة الديوانية يخضع للموقف
ذاته، فقد نجد رسائل تعالج موضوعا واحدا ترد بصور مختلفة تارة موجزة وتارة فيها
إسهاب وإطناب، مثال ذلك رسالة عبد الرحمن الداخل إلى أحد عماله وقد قصر في عمله
جاءت على شكل توقيع موجزة: "أما بعد، فإن يكن التقصير منك مقدما، فعد
الاكتفاء أن يكون لك مؤخرا وقد علمت بما قدمت فاعمد على أيهما أحببت"[12]
بينما وردت رسالة المنصور بن أبي عامر سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة (391هـ) إلى
قواد جيشه يعنفهم على تقصيرهم بأسلوب الاعتدال[13]، في
حين جاءت رسالة علي بن يوسف إلى جند بنلسية سنة ثلاثة عشر وخمسمائة (513هـ) عالج
الموضوع ذاته وفيها إطناب"[14]،
والشيء نفسه نلاحظه في رسائل الفتوحات، فقد جاءت رسالة موسى بن نصير إلى الوليد بن
عبد الملك يبشره بفتح الأندلس موجزة: " إنها ليست كالفتوح يا أمير المؤمنين،
ولكنه الحشر"[15]،
ومنها ما جاءت معتدلة كرسالة عبد المؤمن بن علي لما فتح السوس الأقصى سنة تسع
وعشرين وخمسمائة (529هـ)، مما جاء فيها:".. فيميزنا عسكرا مباركا من خيل
ورجل، فخرجوا من ناحية" تارودانت" وبعثنا تلك الليلة سرية إلى أسفل
السوس، فوجدوا بلاد المجسم معمورة قد سكنوا بأهليهم ومواشيهم، فقتلوهم وغنموا
أموالهم بقرا وغنما ودوابا وعيرا، وسبوا ذراريهم وأهاليهم، ورجعوا سالمين
غانمين.." [16]،
بينما وردت رسالة موجهة إلى علي بن يوسف في فتح إقليش فيها إطناب، منها
قوله:" … توجهنا إلى الله نقتفي
سبيله ونبتغي دليله، فما رفع الفجر من حجابه، ولا كشر الصبح عن نابه، حتى ارتفعت
ألوية الدين سامية الأعلام واتسعت أقضية المسلمين ماضية الأحكام.." [17]