مــقـدمــة
يعتبر
الزواج نظام إلاهي شرعه الله تبارك وتعالى لرفع مرتبة الإنسان وتعظيمه، فأضفى عليه
قدسية وجعله من أسمى العقود وأعظمها أثارا، ووصفه بكونه إحدى آياته حيث قال:
﴿ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ
فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1] ،
وﺴﻤﺎﻩ أيضا بالميثاق الغليظ ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ
إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾[2]
ومن ثم جعله العلماء الرباط الوثيق والحبل المتين المبني على المودة والرحمة
والمحبة وحسن المعاشرة، وجعله عامة الناس الهدف الأسمى بين الذكر والأنثى يستوي
فيه جميع الناس لا فرق بين فقير و غني أو صغير وكبير.
ولما
كان للزواج أهمية كبرى في حفظ النسل والعرض، فقد أولاه الفقهاء المسلمون بمختلف
مذاهبهم عناية خاصة ، وكان اهتمام المشرع الجزائري به بالغا لأنه يمس بكيان الأسرة
التي تعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، والملاحظ أن هذا قانون الأسرة عند صدوره
كان في أغلبيته مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه بحكم التحولات الدولية
وتحرك بعض المنظمات في مجال الأسرة مطالبة بالتمكين للمرأة وتغيير صورتها النمطية
التي لازمتها لقرون، وتحقيقا لمبدأ مساواتها بالرجل في كل مناحي الحياة، لما كانت
تعانيه من تهميش في الأدوار، وظلم في اكتساب الحقوق، فقد طالت قانون الأسرة موجة
التحولات فكان تعديله بموجب الأمر 05/ 02 المؤرخ في 27 فيفري2005، بحذف
بعض النصوص القانونية واستحداث أخرى أو تعديلها استجابة لتلك التحولات الدولية في
مجال حقوق الانسان.
وعلى
اعتبار أن موضوع المرأة من المواضيع التي تحظى باهتمام متزايد من طرف المجتمع
الدولي، فقد عنيت باهتمام بالغ وخصّتها بأولوية أثناء إبرام الاتفاقيات الدولية
والاعلانات الدولية الخاصة المتعلقة بحقوق الانسان وحرياته الأساسية، والتي ساهمت
بشكل مباشر في فرض حمايتها والعمل على تطوير أدائها في المجتمع.
والجزائر
شأنها شأن الدول الأخرى سعت الى الانضمام الى هذه الاتفاقيات ، حرصا منها على
تعزيز وإبراز مكانة المرأة ومواكبتها للنظام الدولي، كما سعت لتكييف تشريعاتها
الداخلية وفق أحكام هذه الاتفاقية، فكان نتيجة ذلك أن عدلت وتممت قوانين منها
قانون الأسرة الذي يمثل أهم قانون يتناول حقوق المرأة بتبنيه ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ التامة
ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻭﺍﻟﺭﺠل، ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ إبرام ﻋﻘﺩ ﺍﻟﺯﻭﺍﺝ وعند انحلاله وما ترتب عنهما من
آثار، بعدما اعتبره كثيرون أنه كرّس التمييز واللامساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وأنه قانون
متسم بالطابع الرجولي مما جعلهم يصنفونه منتهكا بشكل صارخ لحقوق المرأة.
من
هنا جاءت أهمية هذه الدراسة للوقوف عند مبدأ المساواة بين الجنسين وإقراره
بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، لما له من أثر بالغ في توجيه بوصلة
الأسرة الجزائرية في خضم التحولات الدولية ، فبالرغم من أن قانون الأسرة الجزائري
مستمد في معظمه من الشريعة الاسلامية إلا أنه بمصادقة الجزائر على الاتفاقيات
الدولية الملزمة باتخاذ التدابير، لأجل تغيير وضعية المرأة وتمكينها من موقعها
الاجتماعي الرائد، فقد قامت بتعديل بعض بنودها بما لا يتوافق مع الشريعة، وذلك في
مواضع حساسة كمسألة الولي والقوامة والطاعة وغيرها من المسائل الجوهرية .
علما
أن الشريعة الإسلامية كانت سباقة في ترسيخ مبدأ احترام حقوق المرأة عامة سواء منها
الحقوق الناشئة بالزواج او الحقوق الاجتماعية كحقها في التعليم والعمل أو الحقوق
السياسية بدعم مشاركتها الفاعلة في الانتخاب والترشح كما كرس مبدأ حماية حقوقها
المالية بمنحها ذمة مالية مستقلة لها كامل الحق في التصرف فيها دون تدخل من أحد.
من
هنا كان هدف الدراسة البحث عن مختلف التعديلات التي مست قانون الأسرة
الجزائري بعد مصادقة الجزائر على الاتفاقيات الدولية المهتمة بتسوية وضعية المرأة
ومساواتها الكاملة بالرجل، لمعرفة مدى مطابقة ذلك للشريعة الإسلامية التي كانت
سباقة في حماية المرأة ومنحها حقوقها الكاملة مع مراعاة الخصوصية البيولوجية
والوظيفية لكلا الجنسين.
وكذا
محاولة تشخيص آثار المواد القانونية التي تم تعديلها فيما تعلق بالزواج وانحلاله،
ومقارنتها مع مواد الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر لا سيما اتفاقية
سيداو، وتحديد أثر ذلك على الأسرة الجزائرية في تفكيك بنيتها الداخلية التي سيجتها
الشريعة الإسلامية، وللوقوف بجدية أمام هذا الموضوع طرحت إشكاليتي التالية:
ما
مدى مطابقة قانون الأسرة الجزائري المستمد معظمه من الشريعة الإسلامية مع
الاتفاقيات الدولية لاسيما اتفاقية سيداو، وما مدى تأثيرها على نصوصه بخصوص
المساواة بين الجنسين في إبرام عقد الزواج وفي انحلاله وعلى أثارهما؟
ننتظر المزيد موفقة دكتوره
العفو سيدي
بوركت