الجمعة، 31 يناير 2020

المساواة بين الجنسين في الشريعة الاسلامية والمواثيق الدولية العدد 1 د, سامية جباري


مــقـدمــة
يعتبر الزواج نظام إلاهي شرعه الله تبارك وتعالى لرفع مرتبة الإنسان وتعظيمه، فأضفى عليه قدسية وجعله من أسمى العقود وأعظمها أثارا، ووصفه بكونه إحدى آياته حيث قال:
 ﴿ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1] ، وﺴﻤﺎﻩ أيضا بالميثاق الغليظ ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾[2]  ومن ثم جعله العلماء الرباط الوثيق والحبل المتين المبني على المودة والرحمة والمحبة وحسن المعاشرة، وجعله عامة الناس الهدف الأسمى بين الذكر والأنثى يستوي فيه جميع الناس لا فرق بين فقير و غني أو صغير وكبير.
            ولما كان للزواج أهمية كبرى في حفظ النسل والعرض، فقد أولاه الفقهاء المسلمون بمختلف مذاهبهم عناية خاصة ، وكان اهتمام المشرع الجزائري به بالغا لأنه يمس بكيان الأسرة التي تعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، والملاحظ أن هذا قانون الأسرة عند صدوره كان في أغلبيته مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه بحكم التحولات الدولية وتحرك بعض المنظمات في مجال الأسرة مطالبة بالتمكين للمرأة وتغيير صورتها النمطية التي لازمتها لقرون، وتحقيقا لمبدأ مساواتها بالرجل في كل مناحي الحياة، لما كانت تعانيه من تهميش في الأدوار، وظلم في اكتساب الحقوق، فقد طالت قانون الأسرة موجة التحولات فكان تعديله بموجب الأمر 05/ 02 المؤرخ في 27 فيفري2005، بحذف بعض النصوص القانونية واستحداث أخرى أو تعديلها استجابة لتلك التحولات الدولية في مجال حقوق الانسان.
وعلى اعتبار أن موضوع المرأة من المواضيع التي تحظى باهتمام متزايد من طرف المجتمع الدولي، فقد عنيت باهتمام بالغ وخصّتها بأولوية أثناء إبرام الاتفاقيات الدولية والاعلانات الدولية الخاصة المتعلقة بحقوق الانسان وحرياته الأساسية، والتي ساهمت بشكل مباشر في فرض حمايتها والعمل على تطوير أدائها في المجتمع.
والجزائر شأنها شأن الدول الأخرى سعت الى الانضمام الى هذه الاتفاقيات ، حرصا منها على تعزيز وإبراز مكانة المرأة ومواكبتها للنظام الدولي، كما سعت لتكييف تشريعاتها الداخلية وفق أحكام هذه الاتفاقية، فكان نتيجة ذلك أن عدلت وتممت قوانين منها قانون الأسرة الذي يمثل أهم قانون يتناول حقوق المرأة بتبنيه ﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ التامة ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻭﺍﻟﺭﺠل، ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ إبرام ﻋﻘﺩ ﺍﻟﺯﻭﺍﺝ وعند انحلاله وما ترتب عنهما من آثار، بعدما اعتبره كثيرون أنه كرّس التمييز واللامساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وأنه قانون متسم بالطابع الرجولي مما جعلهم يصنفونه منتهكا بشكل صارخ لحقوق المرأة. 
من هنا جاءت أهمية هذه الدراسة للوقوف عند مبدأ المساواة بين الجنسين وإقراره بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، لما له من أثر بالغ في توجيه بوصلة الأسرة الجزائرية في خضم التحولات الدولية ، فبالرغم من أن قانون الأسرة الجزائري مستمد في معظمه من الشريعة الاسلامية إلا أنه بمصادقة الجزائر على الاتفاقيات الدولية الملزمة باتخاذ التدابير، لأجل تغيير وضعية المرأة وتمكينها من موقعها الاجتماعي الرائد، فقد قامت بتعديل بعض بنودها بما لا يتوافق مع الشريعة، وذلك في مواضع حساسة كمسألة الولي والقوامة والطاعة وغيرها من المسائل الجوهرية .
علما أن الشريعة الإسلامية كانت سباقة في ترسيخ مبدأ احترام حقوق المرأة عامة سواء منها الحقوق الناشئة بالزواج او الحقوق الاجتماعية كحقها في التعليم والعمل أو الحقوق السياسية بدعم مشاركتها الفاعلة في الانتخاب والترشح كما كرس مبدأ حماية حقوقها المالية بمنحها ذمة مالية مستقلة لها كامل الحق في التصرف فيها دون تدخل من أحد.
من هنا كان هدف الدراسة البحث عن مختلف التعديلات التي مست قانون الأسرة الجزائري بعد مصادقة الجزائر على الاتفاقيات الدولية المهتمة بتسوية وضعية المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل، لمعرفة مدى مطابقة ذلك للشريعة الإسلامية التي كانت سباقة في حماية المرأة ومنحها حقوقها الكاملة مع مراعاة الخصوصية البيولوجية والوظيفية لكلا الجنسين.
وكذا محاولة تشخيص آثار المواد القانونية التي تم تعديلها فيما تعلق بالزواج وانحلاله، ومقارنتها مع مواد الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر لا سيما اتفاقية سيداو، وتحديد أثر ذلك على الأسرة الجزائرية في تفكيك بنيتها الداخلية التي سيجتها الشريعة الإسلامية، وللوقوف بجدية أمام هذا الموضوع طرحت إشكاليتي التالية:

ما مدى مطابقة قانون الأسرة الجزائري المستمد معظمه من الشريعة الإسلامية مع الاتفاقيات الدولية لاسيما اتفاقية سيداو، وما مدى تأثيرها على نصوصه بخصوص المساواة بين الجنسين في إبرام عقد الزواج وفي انحلاله وعلى أثارهما؟



 [1]  سورة الروم، الآية 21.
 [2]  سورة النساء، الآية 21.

الخميس، 2 يناير 2020

الأندلس ذلك الجمال الذي يسكن روحي. ذكرى سقوط غرناطة / أ.د سامية جباري


الأندلس ذلك الجمال الذي يسكن روحي، حينما أذكرها ترتسم بين ناظري سيرة عطرة لازالت محصورة بين دفات مكتبات قديمة او بين صفحات كتب بالية، الأندلس وجود وكيان، حب وامتلاك، جمال وجلال، حينما سرت بين دروبها تمثلت أهل العلم والفكر والدين والأدب، وارتقت روحي الى مجالسة خيرة أقطاب الحضارة وروادها، تجولت في بعض مدنها سابحة بمخيلتي في ذلك الزمن الجميل، حيث كانت الهيبة  للسلاطين والملوك، حيث كان للعلم اهله، حيث الفروسية عنوان الرجولة، كل الأرض كانت مزهرة بما تملكه من مرافق ناضرة، من حقول باسقة ، ورياض تشتهي النفس ربوعها تظللك الأشجار بفيافيها العالية وتسقيك الوديان من مياهها العذبة، كل شبر هناك يحكي الجمال يحكي قصة أجدادنا الذي رسموا في تلك الربوع أجمل لوحة للاسلام.
سرت بي الأيام لأجدني أتحسر على ماض تليد محته الأيام من الذاكرة فلا الشعوب ترحمت ولا الأجيال ترسخت في عقولها تلك الحضارة، بت أنظر الى اخر معقل للمسلمين بالأندلس تلك الرمانة الحمراء ذات القصور الفريدة والحدائق الجميلة والشوارع النظيفة، دونما ان انسى الإشادة بمساجدها التي احتضنت العلم والعلماء فكانت الملاذ والمدرسة والابداع.
في مثل هذا التاريخ 2 يناير انطفأت الشمعة المضيئة وانحسرت رقعة الإسلام وضاع المجد بعد ثمانية قرون من العطاء والبذل والوجود والقوة والصمود، انه اليوم الذي اعتلى قصر الحمراء الصليب الفضي وتوحدت فيه قوى النصارى على طرد بقايا المسلمين وتشتيتهم أما من بقي منهم فمحاكم التفتيش له بالمرصاد حيث تنوعت فيها الوان التعذيب والتدمير البشري.
هناك حيث كان التنكيل واختراق حرمة الدين فحولت المساجد الى كنائس ،ىوتزينت الأرض بدق النواقيس، وخرج اخر ملوك غرناطة يبكي ذليلا ضياع المجد كان اليوم حزينا ، بعض الاعين تنظر فيه الى الأرض وتشم ريحها ، وبعضا منها تلوح الى السماء فتشكو الهم النازل بها ،وبعضا من هؤولاء يجمع شتات اغراضه في حقائب لا تقوى على حملها، يوم بكت فيه الاعين وتحسرت الانفس وناحت فيه الرجال قبل النساء.
إننا اليوم لنقف بحسرة على ما فرطنا وعلى ما ضيعنا وتبقى رسالتنا ان نحيي هذا المجد في نفوس الأجيال القادمة عرفانا بما قدمه أجدادنا من تضحيات ومن ألون المعرفة التي كانت قبلة الغربيين حيث نهلوا منها واستفادوا ثم طوروا، يكفينا شرفا أن المدرسة الاندلسية رائدة في مختلف مشارب الثقافة والفنون والعلوم والعمارة وقد خلدت لنا مؤلفات نعجز عن التأليف مثلها وخلدت لنا رموز علماء وادباء رسموا لنا في كتبهم أفضل منتوج.
نبقى أحياء ما بقيت الذاكرة التراثية حية في نفوسنا نحتويها ونثمن ما جادت به ثم نقدمها الى أبنائنا لتظل علما يرفرف ومجدا لا يزول فقد عصفت الأيام ونسفت كل مأثور وحان الوقت ان نواجه كل العواصف بالحفاظ على الذاكرة وإعادة بعث كل منظوم و منثور يحكي تفاصي القصة الاندلسية.
         لـكل شـيء إذا مـا تمَّ نُـقصانُ              فـلا يُـغـَر بـطيب العَيشِ إنسان
         هـي الأمـور كما شاهدتَها دُوَلٌ             مـن سرَّهُ زمـَنٌ سـاءته أزمـانُ
         وهـذه الـدارُ لا تُبقي على أحدٍ              ولا يـدومُ عـلى حـالٍ لها شانُ